وأقول (١) : الكناية لا تنافي التّجريد على ما قرّرنا ، ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه ، بل داخلا في قوله : [ومنها مخاطبة الإنسان نفسه] وبيان التّجريد في ذلك (٢) أنه ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله في الصّفة الّتي سبق لها الكلام ، ثمّ يخاطبه (٣) [كقوله (٤) :
لا خيل عندك تهديها ولا مال |
|
فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال (٥) |
أي الغنى ، فكأنّه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال وخاطبه. ـ [ومنه] أي ومن المعنوي [المبالغة المقبولة (٦)] لأنّ المردودة لا تكون من المحسّنات.
________________________________________________________
(١) أي أقول في الرّد على هذا البعض أنّ الكناية لا تنافي التّجريد إذ يصحّ أن يجرّد المعنى ثمّ يعبر عنه بلفظ الكناية ، كما يصحّ بلفظ التّصريح.
والحاصل أنّا نختار أن الخطاب لغيره والتّجريد حاصل وكونه كناية لا تنافي التّجريد ، وأنّ كون الخطاب لنفسه صحيح ، والتّجريد يحصل معه لكنّه لا يصحّ حمل كلام الخطيب عليه ، لأنّه حينئذ لا يكون قسما برأسه والحال أنّه جعله كذلك.
(٢) أي في مخاطبة نفسه أنّه أي الإنسان ينتزع فيها أي في المخاطبة من نفسه شخصا آخر مثله في الصّفة الّتي سيق لها الكلام.
(٣) أي يخاطب ذلك الشّخص المنتزع.
(٤) أي قول أبي الطّيب المتنبّي.
(٥) أراد بالحال الغنى ، وأما الشّاهد فكأنّه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال أي في الفقر.
والحاصل إنّ الكلام سيق لبيان فقره ، وأنّه عديم الخيل والمال ، أي لا شيء عنده يهديه ليكافي بذلك إحسان الممدوح ، فانتزع من نفسه مخاطبا مثله في هذه الصّفة الّتي هي كونه فقيرا بحيث لا خيل عنده ولا مال فخاطبه بقوله : «لا خيل عندك ...».
(٦) أنهم اختلفوا في المبالغة ، فمنهم : من لا يرى لها فضلا محتجّا بأنّ خير الكلام ما خرج مخرج الحقّ ، وكان على نهج الصّدق ، ولأنّها لا تكون إلّا من ضعيف عجز عن اختراع الكلام وتأكيده ، فيتشبّث بها لسدّ الخلل الحاصل من ضعفه وعجزه في كلامه ، ومنهم : من يقصّر الفضل والحسن عليها ، وينسب المحاسن كلّها إليها محتجّا بما اشتهر عندهم من أنّ