غيّبت (١) حبيبا تحت تلك الرّبا ، فهي تبكي عليها (٢). [ومنه ، أي ومن المعنوي التّفريع (٣) وهو (٤) أن يثبت لمتعلّق أمر حكم بعد إثباته] أي إثباته ذلك الحكم [لمتعلّق له آخر] على وجه يشعر بالتّفريع والتّعقيب ، وهو احتراز عن نحو : غلام زيد راكب وأبوه راكب [كقوله :
أحلامكم (٥) لسقام الجهل (٦) شافية |
|
كما دماؤكم تشفي من الكلب (٧) |
________________________________________________________
(١) أي دفنت حبيبا تحت الرّبا ، فكأنّ الرّبا قبره ، والسّحاب تبكي عليه.
والحاصل إنّ الشّاعر يقول : أظنّ أو أشكّ أنّ السّحاب غيّبت حبيبا تحت الرّبا ، فمن أجل ذلك لا تنقطع دموعها ، فبكاؤها صفة عللتّ بدفن حبيب تحت الرّبا ، ولما أتى بكأنّ أفاد بأنّه لم يجزم بأنّ بكاءها لذلك التّغييب ، فقد ظهر أنّه علّل بكاءها على سبيل الشّكّ والظّنّ بتغييبها حبيبا تحت الرّبا.
(٢) أي على الرّبا لأجل الحبيب الّذي تحتها.
وأمّا الشّاهد : فقد علّل على سبيل الشّكّ حيث قال : «كأنّ السّحاب الغر ...».
(٣) وهو لغة جعل الشّيء فرعا لغيره.
(٤) أي التّفريع هنا أن يثبت لمتعلّق أمر حكم بعد إثبات ذلك الحكم لمتعلّق له آخر المراد من المتعلّق ما له نسبة وتعلّق يصحّ باعتبارها الإضافة ، كما في الأحلام والدّماء في البيت الآتي ، حيث صحّ إضافتهما إلى ضمير الجمع المراد به أهل البيت عليهمالسلام ، والمراد من الحكم المحكوم به كالشّفاء الّذي حكم به على الأحلام والدّماء ، فقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا بدّ من التّفريع من تعلّقين منسوبين إلى أمر واحد كغلام زيد وأبوه ، فزيد أمر واحد ، وله متعلّقان منسوبان أحدهما غلامه ، والآخر أبوه ، ولا بدّ من حكم واحد يثبت لأحد المتعلّقين ، وهما الغلام والأب بعد إثباته لآخر ، كأن يقال : غلام زيد فرح ففرح أبوه ، فالفرح حكم أثبت لمتعلّقي زيد ، وهما غلامه وأبوه ، وإثباته للثّاني على وجه يشعر بتفريع الثّاني على الأوّل ، وكقول الكميت في قصيدة يمدح بها أهل البيت عليهمالسلام.
(٥) جمع حلم ، كفعل بمعنى العقل ، لا حلم كقفل ، بمعنى الرّؤيا.
(٦) وصف بالعلم التّام ، والعقل الكامل.
(٧) وصف بكونهم ملوكا وأشرافا ، والكلب على وزن فرس ، شبّه جنون يعرض للإنسان