وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتّصال [فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها] ، يعني المستثنى [يوهم إخراج شيء] وهو المستثنى [ممّا قبلها] ، أي ما قبل الأداة وهو المستثنى منه ، [فإذا وليها] ، أي الأداة [صفة مدح] ، وتحوّل (١) الاستثناء من الاتّصال إلى الانقطاع [جاء التّأكيد] لما فيه (٢) من المدح على المدح ، أي لما في الاستثناء من المدح ، والإشعار بأنّه لم يجد صفة ذمّ حتّى يستثنيها ، فاضطرّ إلى استثناء صفة كدح ، وتحويل الاستثناء إلى الانقطاع.
[و] الضّرب [الثّاني] من تأكيد المدح بما يشبه الذّم [أن يثبت لشيء صفة مدح تعقّب (٣) بأداة استثناء] أي يذكر عقب إثبات صفة المدح لذلك الشّيء أداة استثناء
________________________________________________________
قبلها» ، أي ممّا قبل أداة الاستثناء ، أعني المستثنى منه
(١) المراد بتحوّله من الاتّصال إلى الانقطاع ظهور أنّ المراد به الانقطاع ، فكأنّه قال : فإذا ولي الأداة صفة مدح ، وظهر أن المراد بالاستثناء الانقطاع بعد ما توهّم الاتّصال من مجرّد ذكر الأداة.
(٢) أي لما في الاستثناء من المدح ، أي من زيادة المدح على المدح ، فالمدح الأوّل المزيد عليه جاء من نفي العيب على جهة العموم ، حيث قال : لا عيب فيهم ، إذ من المعلوم أنّ نفي صفة الذّمّ على وجه العموم حتّى لا يبقى في المنفي عنه ذمّ مدح.
والمدح الثّاني المزيد إشعار الاستثناء لصفة المدح بأنّه لم يجد صفة ذمّ يستثنيها ، لأنّ الأصل في الإتيان بالأداة بعد عموم النّفي استثناء الإثبات من جنس المنفي وهو الذّمّ ، فلمّا أتى بالمدح بعد الأداة فهم منه أنّه طلب الأصل الّذي ينبغي ارتكابه ، فلم يجد ذلك الأصل الّذي هو استثناء الذّمّ اضطرّ إلى استثناء المدح ، وحوّل الاستثناء عن أصله إلى الانقطاع.
والحاصل :
إنّ في هذا الاستثناء زيادة المدح على المدح فيحصل التّأكيد والإشعار بأنّه لم يجد صفة ذم حتّى يستثنيها ، فاضطرّ إلى استثناء صفة مدح وتحويل الاستثناء إلى الانقطاع.
إلى هنا كان الكلام في الضّرب الأوّل الّذي هو أفضل الضّربين.
(٣) أي تلك الصّفة «بأداة استثناء».