وإذا لم يمكن تقدير الاستثناء متّصلا في هذا الضّرب [فلا يفيد (١) التّأكيد إلّا من الوجه الثّاني (٢)] وهو أنّ ذكر (٣) أداة الاستثناء قبل ذكر المستثنى يوهم إخراج شيء ممّا قبلها من حيث إنّ الأصل في مطلق الاستثناء هو الاتّصال ، فإذا ذكر بعد الأداة صفة مدح أخرى جاء التّأكيد. ولا يفيد التّأكيد من جهة أنّه كدعوى الشّيء ببيّنة (٤) ، لأنّه مبنيّ على التّعليل بالمحال المبني على تقدير الاستثناء متّصلا.
[ولهذا] أي ولكون التّأكيد في هذا الضّرب من الوجه الثّاني فقطّ [كان] الضّرب [الأوّل] المفيد للتّأكيد من وجهين [أفضل.
ومنه] أي ومن تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ [ضرب آخر] وهو أن يؤتى بمستثنى فيه معنى المدح معمولا لفعل فيه معنى الذّمّ [نحو : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا)(١) (٥)] ، أي ما تعيب منّا إلّا أصل المناقب والمفاخر وهو الإيمان ، يقال : نقم منه ،
________________________________________________________
(١) أي فلا يفيد هذا الضّرب الثّاني «التّأكيد ...».
(٢) أي الوجه الثّاني من الوجهين المذكورين في الضّرب الأوّل.
(٣) حاصله :
إنّ الإخراج في هذا الضّرب من صفة المدح المثبتة فيوهم قبل ذكر المستثنى أنّه صفة مدح أريد إخراجها من المستثنى منه ، ونفيها عن الموصوف ، لأنّ الاستثناء من الإثبات نفي ، فإذا تبيّن بعد ذكره أنّه أريد إثباته له أيضا أشعر بذلك بأنّه لم يمكنه نفي شيء من صفات المدح عنه ، فيجيء التّأكيد.
(٤) لأنّه كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قريش لا يكون بيّنة على أنّه أفصح العرب.
(٥) وقد أتى في هذا المثال بأداة الاستثناء بعدها صفة مدح ، وهي الإيمان والفعل المنفي فيه معنى الذّمّ ، لأنّه من العيب ، فهو في تأويل لا عيب فينا إلّا الإيمان ، إن كان عيبا لكنّه ليس بعيب ، وحينئذ فلا عيب فينا ، فهو بمنزلة «ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ فلول» ، فيفيد هذا الضّرب ما يفيده الضّرب الأوّل من التّأكيد بالوجهين ، وهما أنّ فيه من التّعليق ما هو كإثبات الشّيء بالبيّنة ، وأنّ فيه الإشعار بطلب ذمّ فلم يجده ، فاستثنى المدح وهو ظاهر.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٢٦.