[ومنه] أي ومن المعنوي : [القول (١) بالموجب ، وهو ضربان : أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير (٢) كناية عن شيء أثبت له] ، أي لذلك الشّيء [حكم فتثبّتها لغيره] ،
________________________________________________________
فمنها التّعريض ، كما في قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١) تعريضا بأنّهم على الضّلال.
ومنها التّحقير ، كقوله المعروف : (ما هذا) ، إشارة إلى أنّه أحقر من أن يعرف.
ومنها غير ذلك من الاعتبارات البلاغيّة المستفادة من تتبّع تراكيب الشّعراء أو غيرهم.
(١) المراد بالقول الاعتراف ، أي اعتراف المتكلّم بما يوجبه كلام المخاطب ، وبعبارة أخرى : تسليم المتكلّم دليل الخصم مع بقاء النّزاع إمّا بإثبات مناط مقصوده في شيء آخر ، كما في الضّرب الأوّل وإمّا بحمل اللّفظ في كلامه على غير ما قصده ، كما في الضّرب الثّاني ، وأمّا لفظ الموجب فهو بكسر الجيم ، اسم فاعل ، لأنّ المراد به كما يأتي غير ما قصده ، كما في الضّرب الثّاني ، ويحتمل أن يكون بفتح الجيم اسم مفعول ، فيكون المراد منه حينئذ القول بالحكم الّذي أوجبته الصّفة ، أو القول بالمعنى الآخر الّذي يكون للّفظ ، فاتّضح بما قدّمنا قوله : «وهو ضربان : أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير».
(٢) كالأعزيّة ، فإنّه صفة وقعت في كلام المنافقين «كناية عن شيء» ، أي عن فريقهم «أثبت له» ، أي لذلك الشّيء ، أي لفريقهم «حكم» ، والمراد بالحكم في الآية الإخراج ، «فتثبتها لغيره» ، أي «فتثبت أنت في كلامك تلك الصّفة» ، أي الأعزيّة «لغير ذلك الشّيء» ، أي لغير المنافقين ، أي الله ورسوله وللمؤمنين «من غير أن تتعرّض لثبوته» ، أي ثبوت الحكم ، يعني الإخراج «له» ، أي للغير ، أي الله ورسوله أو المؤمنين «أو نفيه» ، أي نفي الحكم عنه ، أي عن الغير ، «أي من غير أن تتعرّض لتبوث ذلك الحكم» ، أي الإخراج «لذلك الغير» ، أي لله ورسوله والمؤمنين أو لانتفائه عن ذلك الغير ، أي عن الله ورسوله والمؤمنين.
فتحصّل ممّا بيّنّاه أنّه لو تعرّضت في كلامك للحكم إثباتا أو نفيا ، خرج الكلام عن القول بالموجب ، مثلا : إذا قال خصمك القوي ليخرجنّ القوي من هذه المدرسة الطّلاب الضّعفاء ، مريدا بالقوي نفسه مثبتا له حكم الإخراج ، فلو أثبت لنفسك القوّة ، ولم تتعرّض لحكم الإخراج بأن تقول ردّا عليه : أنا القوي ، لأنّ الضّعيف اعتماده على الله ، كان كلامك حينئذ
__________________
(١) سورة سبأ : ٢٤.