[وأمّا غير ظاهر فمنه أن يتشابه المعنيان] أي معنى البيت الأوّل ومعنى البيت الثّاني [كقول جرير : فلا يمنعك من أرب] أي حاجة [لحاهم] جمع لحية يعني كونهم في صورة الرّجال [سواء ذو العمامة والخمار] يعني أن الرّجال منهم والنّساء سواء في الضّعف (١). [وقول أبي الطّيّب (٢) :
ومن في كفّه منهم قناة |
|
كمن في كفّه منهم خضاب] |
واعلم أنّه يجوز في تشابه المعنيين اختلاق البيتين نسيبا (٣) ومديحا وهجاء وافتخارا ، ونحو ذلك ، فإنّ الشّاعر الحاذق إذا قصد إلى المعنى المختلس (٤) لينظّمه احتال (٥) في إخفائه فغيّره عن لفظه ونوعه ووزنه وقافيته. وإلى هذا أشار بقوله : [ومنه] أي من غير الظّاهر [أن ينقل المعنى إلى محلّ آخر (٦)
________________________________________________________
(١) أي فلا مقاومة للرّجال منهم على الدّفع عن النّساء منهم.
(٢) في مدح سيف الدّولة بن حمدان ، فتعبير جرير عن الرّجل بذي العمامة كتعبير أبي الطّيّب عنه بمن في كفّه منهم قناة ، وكذا تعبير جرير عن المرأة بذات الخمار ، كتعبير أبي الطّيّب عنها بمن في كفّه منهم خضاب. ومحلّ الشّاهد القولان متشابهان في المعنى من حيث إفادة كلّ منهما أنّ الرّجال منهم في الضّعف كالنّساء.
وهذا المثال مثال لغير الظّاهر ، والذّوق السّليم شاهد بذلك. لأنّ غير الظّاهر أن يكون إدراكه يحتاج إلى تأمّل ، وهذا الضّابط موجود في المثال.
(٣) مأخوذ من نسب ينسب من باب ضرب يضرب ، وهو كما يأتي وصف الجمال أو غيره ، كالأدب والافتخار والشّكاية وغير ذلك.
(٤) أي المعنى الّذي يريد أن يسرقه من الشّاعر الأوّل.
(٥) أي فعل الحيلة في إخفاء الاختلاس والسّرقة ، فغير لفظ المعنى المختلس ، ونقله عن نوعه من النّسيب أو المدح ، أو غير ذلك ، وصرفه عن وزنه وقافيته ، كلّ ذلك لغرض إخفاء الأخذ والسّرقة.
(٦) أي ينقل المعنى من موصوف إلى موصوف آخر.