كإنّما قطع نصفه حيث كان في الجاهليّة [كقوله :
لو رأى الله أنّ في الشّبيب خيرا |
|
جاورته الأبرار (١) في الخلد شيبا] |
جمع أشيب ، وهو حال من الأبرار ، ثمّ انتقل (٢) ، من هذا الكلام إلى ما لا يلائمه ، فقال : [كلّ يوم تبدى] أي تظهر [صروف اللّيالي* خلقا من أبي سعيد غريبا] ثمّ كون الاقتضاب مذهب العرب والمخضرمين ، أي دأبهم وطريقتهم ، لا ينافي أن يسلكه الإسلاميون ويتبعوهم في ذلك ، فإنّ البيتين المذكورين لأبي تمّام ، وهو من شعراء الإسلاميّة في الدّولة العباسيّة.
وهذا المعنى مع وضوحه قد خفي على بعضهم حتّى اعترض على المصنّف بأن أبا تمّام لم يدرك الجاهليّة ، فكيف يكون من المخضرمين (٣)؟!
[ومنه] أي من الاقتضاب [ما يقرب (٤) من التّخلّص] ،
________________________________________________________
(١) والمراد بالأبرار خيار النّاس ، والمعنى أنّه لو كان في الشّبيب خير لأنزل الله الأبرار في الجنّة حال كونهم شيبا ، لأنّ الأليق أنّ الأبرار يجاورونه على أحسن حال ، ولأنّ الجنّة دار الخير والكرامة.
(٢) أي انتقل أبو تمّام بطريق الاقتضاب من هذا الكلام إلى ما يلائمه فقال :
كلّ يوم تبدي صروف اللّيالي |
|
خلقا من أبي سعيد غريبا |
فإنّه انتقل من ذمّ الشّبيب في البيت الأوّل إلى مدح أبي سعيد ، بأنّه تبدى ، أي تظهر منه اللّيالي خلقا ، أي طبايع وأخلاقا حسنة غريبة ، لا يوجد لها نظير من أمثاله ، والشّاهد فيه أنّه لا مناسبة بين مضمون البيتين.
(٣) أي إنّ أبا تمّام ليس من المخضرمين ، فما صدر منه ليس من الاقتضاب.
وحاصل الجواب عن هذا الاعتراض : أنّ المصنّف لم يقل : بأنّ الاقتضاب مختصّ بالعرب الجاهليّة والمخضرمين ، بل إنّه مذهب لهم ، وهذا ليس معناه بأنّه لا يصدر إلّا منهم.
(٤) أي يشبه «من التّخلّص» الاصطلاحي ، وهو الانتقال على وجه المناسبة كما تقدّم.