إلاّ في آيتين إحداهما ما عرفت والثانية قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) (البقرة / ٢٤٠).
واللاّم في الحول إشارة إلى الحول المعهود بين العرب قبل الإسلام حيث كانت النساء يعتددن إلى حول ، وقد أمضاه القرآن كبعض ما أمضاه من السنن الرائجة فيه لمصلحة هو أعلم بها.
ثمّ نسخت بقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة / ٢٣٤).
وبذلك يعلم أنّه يشترط في النسخ وقوع العمل بالمنسوخ فترة ، ثمّ ورود الناسخ بعده وإلى هذا يشير كلام الأصوليين حيث يقولون يشترط في النسخ حضور العمل.
إنّ النسخ في القوانين العرفية (١) يلازم البداء (٢) ، أي ظهور ما خفي لهم من المصالح والمفاسد ، وهذا بخلاف النسخ في الأحكام الشرعية ، فإنّ علمه سبحانه محيط لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فالله سبحانه يعلم مبدأ الحكم وغايته غير أنّ المصلحة اقتضت إظهار الحكم بلا غاية لكنّه في الواقع مغيّا.
فقد خرجنا بهذه النتيجة أنّ النسخ في الأحكام العرفية رفع للحكم واقعا ، ولكنه في الأحكام الإلهية دفع لها وبيان للأمد الذي كانت مغيّا به منذ تشريعها ولا مانع من إظهار الحكم غير مغيّا ، وهو في الواقع محدّد لمصلحة في نفس
__________________
(١) المراد ما تقابل الأحكام الإلهية. فالقوانين المجعولة بيد الإنسان تسمّى في اصطلاح الحقوقيين قوانين وضعية.
(٢) البداء بهذا المعنى محال على الله دون الإنسان.