والصواب هو القول الثاني أي عدم استحقاق العقاب.
وليعلم أنّ موضوع البحث هو مخالفة الحجّة العقلية ، لأجل غلبة الهوى على العقل والشقاء على السعادة. وربما يرتكبه الإنسان مع استيلاء الخوف عليه. وأمّا ضمّ عناوين أخر عليه من الهتك والتمرّد ورفع علم الطغيان فجميعها أجنبية عن المقام ، فلا شكّ في استحقاق العقاب إذا عدّ عمله مصداقا للهتك ورمزا للطغيان وإظهارا للجرأة إلى غير ذلك من العناوين المقبّحة.
نعم انّ التجرّي يكشف عن ضعف الإيمان ، فيستحق اللوم والذم لا العقاب.
الموضع الثاني : في حكم الفعل المتجرّى به (١)
والكلام فيه تارة من حيث كونه قبيحا وأخرى من جهة الحرمة الشرعية.
أمّا الأوّل ، فهو منتف قطعا ، لأنّ الحسن والقبح يعرضان على الشيء بالملاك الواقعي فيه ، والمفروض أنّ الفعل المتجرّى به هو شرب الماء وهو فاقد لملاك القبح.
وأمّا الثاني ، فلا دليل على الحرمة ، لأنّ الحرام هو شرب الخمر ، والمفروض أنّه شرب الماء وليس هناك دليل يدلّ على أنّ شرب ما يقطع الشارب بكونه خمرا حرام ، وذلك لأنّ الحرمة تتعلّق بواقع الموضوعات لا الموضوع المقطوع به فبذلك ظهر عدم حرمة التجرّي ولا المتجرّى به.
غاية الأمر أنّ الفاعل يستحق الذم ، لأنّ عمله يكشف عن سوء سريرته.
__________________
(١) الفرق بين التجرّي والمتجرّى به انّ الأوّل ينتزع من مخالفة المكلّف الحجّة العقلية والشرعية ، بخلاف الثاني فانّه عبارة عن نفس العمل الخارجي كشرب الماء الذي يتحقّق به مخالفة الحجّة.