ب. أن تكون كلتاهما عقليّتين ، كإدراك العقل حسن العدل (الصغرى) وحكمه بالملازمة بين حسنه عقلا ووجوبه شرعا (الكبرى) وهذا ما يعبّر عنه بالمستقلاّت العقلية ، أو التحسين والتقبيح العقليين. (١)
ج. أن تكون الصغرى شرعية والكبرى عقلية كما قد يقال : «الوضوء ممّا يتوقف عليه الواجب (الصلاة)» وهذه مقدّمة شرعية «وكلّ ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب عقلا» وهذه مقدمة عقلية فينتج : فالوضوء واجب عقلا.
وهذا ما يعبر عنه بغير المستقلات العقلية نعم يعلم وجوب الوضوء شرعا بالملازمة بين حكمي العقل والشرع.
الثالث : عرّف الدليل العقلي بأنّه حكم يتوصّل به إلى حكم شرعي ، مثلا إذا حكم العقل بأنّ الإتيان بالمأمور به على ما هو عليه موجب لحصول الامتثال يستدل به على أنّه في الشرع أيضا كذلك ، فيترتّب عليه براءة الذمّة عن الإعادة والقضاء ، أو إذا حكم العقل عند التزاحم بلزوم تقديم الأهم كحفظ النفس المحترمة على المهم كالتصرف في مال الغير بلا إذنه ، فيستدل به على الحكم الشرعي وهو وجوب إنقاذ الغريق ، وجواز التصرف في مال الغير ، كلّ ذلك توصل بالحكم العقلي للاهتداء إلى الحكم الشرعي.
إذا عرفت ذلك ، فيقع البحث في حجّية العقل في مقامين :
المقام الأوّل : استكشاف حكم الشرع عند استقلاله بالحكم بالنظر إلى ذات الموضوع، فنقول : إذا استقل العقل بالحكم على الموضوع عند دراسته بما هو هو من غير التفات إلى ما وراء الموضوع من المصالح والمفاسد ، فهل يكون ذلك دليلا
__________________
(١) في مقابل الأشاعرة الذين لا يعترفون بهما إلاّ عن طريق الشرع ، فالحسن عندهم ما حسّنه الشارع وهكذا القبيح.