على كون الحكم عند الشارع كذلك أيضا أو لا؟ فذهب الأصوليّون إلى وجود الملازمة بين الحكمين ، وما ذلك إلاّ لأنّ العقل يدرك حكما عاما غير مقيّد بشيء.
مثلا إذا أدرك العقل (حسن العدل) فقد أدرك انّه حسن مطلقا ، أي سواء كان الفاعل واجب الوجود أم ممكن الوجود ، وسواء كان الفعل في الدنيا أم في الآخرة ، وسواء كان مقرونا بالمصلحة أم لا ، فمثل هذا الحكم العقلي المدرك يلازم كون الحكم الشرعي أيضا كذلك وإلاّ لما كان المدرك عاما شاملا لجميع تلك الخصوصيات. وبذلك تتضح الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في المستقلاّت العقلية.
هذا كلّه في المستقلات العقلية وبه يظهر حكم غير المستقلاّت العقلية ، فمثلا إذا أدرك العقل الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه ، يكشف ذلك انّ الحكم عند الشرع كذلك ، لأنّ الحكم المدرك بالعقل حكم عام غير مقيّد بشيء من القيود ، فكما أنّ العقل يدرك الملازمة بين الأربعة والزوجية بلا قيد فيكون حكما صادقا في جميع الأزمان والأحوال ، فكذلك يدرك الملازمة بين الوجوبين أو بين الوجوب والحرمة ، فالقول بعدم كشفه عن حكم الشارع كذلك ، ينافي إطلاق حكم العقل وعدم تقيّده بشيء.
وبذلك يتّضح أنّ ادّعاء الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع يرجع إلى أنّ الحكم المدرك بالعقل حكم مطلق غير مقيد بشيء ، فيعمّ حكم الشارع أيضا.
المقام الثاني : حكم الشرع عند استقلال العقل بالحكم بالنظر إلى المصالح والمفاسد في الموضوع لا بالنظر إلى ذات الموضوع.
فنقول : إذا أدرك العقل المصلحة أو المفسدة في شيء وكان إدراكه مستندا إلى المصلحة أو المفسدة العامتين اللّتين يستوي في إدراكهما جميع العقلاء ، ففي مثله يصحّ استنباط الحكم الشرعي من الحكم العقلي كلزوم الاجتناب عن السمّ