الموضع الثاني : في وقوع التعبد بالظن بعد ثبوت إمكانه
وقبل الدخول في صلب الموضوع لا بدّ أن نبيّن ما هو الأصل في العمل بالظن حتى يكون هو المرجع عند الشكّ ، فما ثبت خروجه عن ذلك الأصل نأخذ به ، وما لم يثبت نتمسك فيه بالأصل فنقول : إنّ القاعدة الأوّلية في العمل بالظن هي الحرمة وعدم الحجّية إلاّ ما خرج بالدليل.
والدليل عليه أنّ العمل بالظن عبارة عن صحّة إسناد مؤدّاه إلى الشارع في مقام العمل، ومن المعلوم أنّ إسناد المؤدّى إلى الشارع إنّما يصحّ في حالة الإذعان بأنّه حكم الشارع وإلاّ يكون الإسناد تشريعا دلّت على حرمته الأدلّة الأربعة (١) ، وليس التشريع إلاّ إسناد ما لم يعلم أنّه من الدين إلى الدين.
قال سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (يونس / ٥٩).
فالآية تدلّ على أنّ الإسناد إلى الله يجب أن يكون مقرونا بالإذن منه سبحانه وفي غير هذه الصورة يعد افتراء سواء كان الإذن مشكوك الوجود كما في المقام أم مقطوع العدم،والآية تعم كلا القسمين. والمفروض أنّ العامل بالظن شاكّ في إذنه سبحانه ومع ذلك ينسبه إليه.
ثمّ إنّ الأصوليين ذكروا خروج بعض الظنون عن هذا الأصل. منها :
١. ظواهر الكتاب.
٢. الشهرة الفتوائية.
__________________
(١) الكتاب والسنّة والإجماع والعقل كما أوضحه الشيخ الأعظم في الفرائد ، واقتصرنا في المتن على الكتاب العزيز.