قتادة ، فإنّهم كانوا يستبدون بنفس القرآن من دون الرجوع إلى حديث العترة الطاهرة في مجملاته ومبهماته وعموماته ومطلقاته. فالاستبداد بالقرآن شيء ، والاحتجاج بالقرآن بعد الرجوع إلى الأحاديث شيء آخر ، والأوّل هو الممنوع والثاني هو الذي جرى عليه أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ.
ثمّ إنّ الأصوليين جعلوا مطلق الظواهر من الظنون وقالوا باعتبارها وخروجها عن تحت الضابطة السالفة الذكر بدليل خاص ، وهو بناء العقلاء على حجّية ظواهر كلام كلّ متكلّم، ولكن دقة النظر تقتضي أن تكون الظواهر من القطعيات بالنسبة إلى المراد الاستعمالي لا الظنيّات.
لأنّ السير في المحاورات العرفية يرشدنا إلى أنّها من الأمارات القطعية على المراد الاستعمالي بشهادة انّ المتعلّم يستدل بظاهر كلام المعلّم على مراده. وما يدور بين البائع والمشتري من المفاهيم لا توصف بالظنية ، وما يتفوّه به الطبيب يتلقّاه المريض أمرا واضحا لا سترة فيه كما أنّ ما يتلقّاه السائل من جواب المجيب يسكن إليه دون أيّ تردد.
فإذا كانت هذه حال محاوراتنا العرفية في حياتنا الدنيويّة ، فلتكن ظواهر الكتاب والسنّة كذلك فلما ذا نجعلها ظنيّة الدلالة؟!
نعم المطلوب من كونها قطعية الدلالة هو دلالتها بالقطع على المراد الاستعمالي لا المراد الجدي ، لأنّ الموضوع على عاتق الكلام هو كشفه عمّا يدل عليه اللفظ بالوضع وما يكشف عنه اللفظ الموضوع هو المراد الاستعمالي ، والمفروض أنّ الظواهر كفيلة لإثبات هذا المعنى فلا وجه لجعلها ظنيّة الدلالة. وأمّا المراد الجدّي فإنّما يعلم بالأصل العقلائي ، أعني:أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدّية.
والذي صار سببا لعدّ الظواهر ظنّية هو تطرّق احتمالات عديدة إلى كلام المتكلّم ، أعني :