قال سبحانه : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة / ١٢٢).
تشير الآية إلى السيرة المستمرة بين العقلاء من تقسيم العمل بين الأفراد ، إذ لو لا ذلك لاختلّ النظام ، ولا تشذ عن ذلك مسألة الإنذار والتعليم والتعلّم ، فلا يمكن أن ينفر المؤمنون كافة لتحصيل أحكام الشريعة ، ولكن لما ذا لا ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة لتعلّم الشريعة حتى ينذروا قومهم عند الرجوع إليهم؟
وجه الاستدلال : انّه سبحانه أوجب الحذر على القوم عند رجوع الطائفة التي تعلّمت الشريعة والمراد من الحذر هو الحذر العملي ، أي ترتيب الأثر على قول المنذر. ثمّ إنّ إنذاره كما يتحقّق بصورة التواتر يتحقّق أيضا بصورة إنذار بعضهم البعض ، فلو كان التواتر أو حصول العلم شرطا في تحقّق الإنذار وبالتالي في وجوب الحذر لأشارت إليه الآية، وإطلاقها يقتضي حجّية قول المنذر سواء أنذر إنذارا جماعيا أو فرديا ، وسواء أفادا العلم أم لا.
يلاحظ على الاستدلال : أنّ الآية بصدد بيان أنّه لا يمكن نفر القوم برمّتهم ، بل يجب نفر طائفة منهم ، وأمّا كيفية الإنذار وانّه هل يجب أن يكون جماعيا أو فرديا فليست الآية بصدد بيانها حتى يتمسّك بإطلاقها ، وقد مرّ في مبحث المطلق والمقيد انّه يشترط في صحّة التمسّك بالإطلاق كون المتكلّم في مقام البيان.
ويشهد على ذلك انّ الآية لم تذكر الشرط اللازم ، أعني : الوثاقة والعدالة ، فكيف توصف بأنّها في مقام البيان؟!