حجّية قول اللغوي
إنّ لإثبات الظهور طرقا ذكرناها في محلّها (١) بقي الكلام في حجّية قول اللغوي في إثباته وتعيين الموضوع له ، وقد استدلّ جمع من العلماء على حجّية قول اللغوي بأنّ الرجوع إلى قول اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، ولا إشكال في حجّية قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.
أشكل عليه : بأنّ الكبرى ـ وهي حجّية قول أهل الخبرة ـ مسلّمة ، إنّما الكلام في الصغرى وهي كون اللغوي خبيرا في تعيين الموضوع له عن غيره ، وبالتالي في تعيين المعنى الحقيقي عن المجازي ، مع أنّ ديدن اللغويين في كتبهم ذكر المعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها ، سواء كان معنى حقيقيا أم مجازيا.
ولكن يمكن أن يقال : أنّ أكثر المعاجم اللغوية وإن كانت على ما وصفت ، ولكن بعضها ألّف لغاية تمييز المعنى الأصلي عن المعنى الذي استعمل فيه بمناسبة بينه وبين المعنى الأصلي ، وهذا كالمقاييس لمحمد بن فارس بن زكريا (المتوفّى ٣٩٥ ه) فقد قام ببراعة خاصة بعرض أصول المعاني وتمييزها عن فروعها ومشتقاتها ، ومثله كتاب أساس البلاغة للزمخشري (المتوفّى ٥٣٨ ه).
ومن سبر في الأدب العربي يجد أنّ سيرة المسلمين قد انعقدت على الرجوع
__________________
(١) راجع مقدّمة الكتاب ، بحث علائم الحقيقة والمجاز.