يقدّم الاستصحاب على سائر الأصول ، لأنّ التعبّد ببقاء اليقين السابق وجعله حجّة في الآن اللاحق يوجب ارتفاع موضوعات الأصول ، أو حصول غاياتها ، وإليك البيان :
أ. إنّ موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان ، فإذا كان الشيء مستصحب الحرمة أو الوجوب ، فالأمر بالتعبّد بإبقاء اليقين السابق بيان من الشارع ، فلا يبقى موضوع للبراءة العقلية.
ب. كما أنّ موضوع البراءة الشرعية هو «ما لا يعلمون» والمراد من العلم هو الحجّة الشرعيّة ، والاستصحاب كما قرّرناه حجّة شرعيّة على بقاء الوجوب والحرمة في الأزمنة اللاحقة ، فيرتفع موضوع البراءة الشرعية.
ج. إنّ موضوع التخيير هو تساوي الطرفين من حيث الاحتمال ، والاستصحاب بحكم الشرع هادم لذلك التساوي.
د. إنّ موضوع الاشتغال هو احتمال العقاب في الفعل أو الترك ، والاستصحاب بما أنّه حجّة مؤمّنة ، فالاستصحاب بالنسبة إلى هذه الأصول رافع لموضوعها. وإن شئت فسمّه واردا عليها.
وربّما يكون الاستصحاب موجبا لحصول غاية الأصل كما هو الحال في أصالتي الطهارة والحليّة ، فإنّ الغاية في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» ، وفي قوله عليهالسلام : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» وإن كان هو العلم ، لكن المراد منه هو الحجّة ، وبما انّ الاستصحاب حجّة ، فمع جريانه تحصل الغاية ، فلا يبقى للقاعدة مجال.
تمّ الكلام في الأصول العملية ،
ويليه البحث في تعارض الأدلّة الشرعية إن شاء الله
والحمد لله ربّ العالمين