الآخر بحجّة أنّ مستند أحدهما هو الخبر المجمع عليه ، بدا له أن يسأله عن تعارض الخبرين ومرجّحاتهما مع قطع النظر عن كونهما مصدرا للقضاء وقال : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟
قال : «ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة (وخالف العامة) فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة (ووافق العامة)». (١)
ويدلّ على الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة غير واحد من الروايات : روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قال الصادق عليهالسلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ، فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه». (٢)
ثمّ إنّه ليس المراد من مخالفة الكتاب هو المخالفة بالتناقض والتباين الكلّي ، لأنّ عدم حجية المباين الصريح معلوم لا يحتاج إلى البيان أوّلا ، ولا يضعه الوضّاعون ثانيا ، لأنّه يواجه من أوّل الأمر بالنقد والرد بأنّه كذب موضوع على لسان الإمام.
فإذن المراد من مخالفة الكتاب هو المخالفة بمثل العموم والخصوص ، فلو كان أحد الخبرين موافقا لعموم الكتاب والآخر مخالفا له بنحو التخصيص يؤخذ بالأوّل دون الثاني ، وإن كان المخالف (الخاص) حجّة يخصص به الكتاب إذا لم يكن مبتلى بالمعارض.
__________________
(١) أخذنا الرواية من كتاب الكافي : ١ / ٦٧ ، الحديث ١٠ ، لأنّ صاحب الوسائل جزّأها على عدّة أبواب.
(٢) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٩ ؛ ولاحظ أيضا الحديث ٢١ و ٢٠ من هذا الباب.