يحبسه به وما لم يكن أصله من مال وقع في يده مثل المهر والجعل من الخلع والصلح من دم العمد والكفالة لم يحبسه به حتى يثبت وجوده وملاؤه وقال ابن أبى ليلى يحبسه في الديون إذا أخبر أن عنده مالا وقال مالك لا يحبس الحر ولا العبد في الدين ولا يستبرأ أمره فإن اتهم أنه قد خبأ مالا حبسه وإن لم يجد له شيئا لم يحبسه وخلاه وقال الحسن بن حي إذا كان موسرا حبس وإن كان معسرا لم يحبس وقال الشافعى إذا ثبت عليه دين بيع ما ظهر ودفع ولم يحبس فإن لم يظهر حبس وبيع ما قدر عليه من ماله فإن ذكر عسره وقبلت منه البينة بقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) وأحلفه مع ذلك بالله ومنع غرماءه من لزومه قال أبو بكر إنما قال أصحابنا إنه يحبسه في أول ما ثبت عند القاضي دينه لما دللنا عليه من الآية والأثر على كونه ظالما في الامتناع من قضاء ما ثبت عليه وإنه مستحق للعقوبة متى امتنع من أداء ما وجب عليه فالواجب بقاء العقوبة عليه حتى يثبت زوالها عنه بالإعسار* فإن قيل إنما يكون ظالما إذا امتنع من أدائه مع الإمكان لأن الله تعالى لا يذمه على ما لم يقدره عليه ولم يمكنه منه ولذلك شرط النبي صلّى الله عليه وسلّم الوجود في استحقاق العقوبة بقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته إذا كان شرط استحقاق العقوبة وجود المال الذي يمكنه أداؤه منه فغير جائز حبسه وعقوبته إلا بعد أن يثبت أنه واجد ممتنع من أداء ما وجب عليه وليس ثبوت الدين عليه علما لإمكان أدائه على الدوام إذ جائز أن يحدث الإعسار بعد ثبوت الدين* قيل له أما الديون التي حصلت إبدالها في يده فقد علمنا يساره بأدائها يقينا ولم نعلم إعساره بها فوجب كونه باقيا على حكم اليسار والوجود حتى يثبت الإعسار وأما ما كان لزمه منها من غير بدل حصل في يده يمكنه أداؤه منه فإن دخوله في العقد الذي ألزمه ذلك اعتراف منه بلزوم أدائه وتوجه المطالبة عليه بقضائه ودعواه الإعسار به بمنزلة دعوى التأجيل للموسر فهو غير مصدق عليه ولذلك سوى أصحابنا بين الديون التي قد علم حصول إبدالها في يده وبين ما لم تحصل في يده إذ كان دخوله في العقد الموجب عليه ذلك الدين اعترافا منه بلزوم الأداء وثبوت حق المطالبة للمطالب وذلك لأن كل متعاقدين دخلا في عقد فدخولهما فيه اعتراف منهما بلزوم موجب العقد من الحقوق وغير مصدق بعد العقد واحد منهما على نفى موجبه ومن أجل ذلك قلنا إن ذلك يقتضى اعترافا منهما بصحته إذ كان ذلك