رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) يدل على أن كل من أقر بشيء لغيره فالقول قوله فيه لأن البخس هو النقص فلما وعظه الله تعالى في ترك البخس دل ذلك على أنه إذا بخس كان قوله مقبولا وهو نظير قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) لما وعظهن في الكتمان دل على أن المرجع فيه إلى قولهن وكقوله تعالى (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) قد دل ذلك أنهم متى كتموها كان القول قولهم فيها وكذلك وعظه الذي عليه الحق في ترك البخس دليل على أن المرجع إلى قوله فيما عليه وقد ورد الأثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بمثل ما دل عليه الكتاب وهو قوله البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه فجعل القول من ادعى عليه دون المدعى وأوجب عليه اليمين وهو معنى قوله تعالى (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) في إيجاب الرجوع إلى قوله* واحتج بعضهم بهذه الآية على أن القول قول المطلوب في الأجل لأن الله رد الإملاء إليه ووعظه في البخس بقوله تعالى (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) في صدقه في مبلغ المال فيقال إنما وعظه في البخس وهو النقصان ويستحيل وعظ المطلوب في بخس الأجل ونقصانه وهو لو أسقط الأجل كله بعد ثبوته لبطل كما لا يوعظ الطالب في نقصان ماله إذ لو أبرأه من جميعه لصحت براءته فلما كان ذلك كذلك علمنا أن المراد بالبخس في مقدار الديون لا في الأجل فليس إذا في الآية دليل على أن القول قول المطلوب في الأجل* فإن قيل إثبات الأجل في المال يوجب نقصانه فلما كان القول قول المطلوب في نقصان المال ومقداره وجب أن يكون القول قوله في الأجل لما فيه من بخس المال ونقصانه إذ قد تضمنت الآية تصديقه في بخسه والبخس تارة يكون بنقصان المقدار وتارة بنقصان الصفة من أجل رداءة في المقر به* قيل له لما قال تعالى (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) اقتضى ذلك النهى عن بخس الحق نفسه فكان تقديره ولا يبخس من الدين شيئا ومدعى الأجل غير باخس من الدين ولا ناقص له إذ كان بخس الدين هو نقصان مقداره وليس الأجل هو الدين ولا بعضه وإذا كان كذلك فلا دلالة في الآية على تصديقه على دعوى الأجل ويدلك على أن الأجل ليس من الدين إن الدين قد يحل ويبطل الأجل ويكون هو ذلك الدين وقد يسقط الأجل ويعجل الدين فيكون الذي عجل هو الدين الذي كان مؤجلا وإذا كان ذلك كذلك ثم قال تعالى (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) يعنى من الدين شيئا لم يتناول ذلك