ولأجل إحقاق الحق علينا تبيان بطلان هذا الكلام ، لأن الإجماع قائم على صحة الاستشهاد بالحديث في اللغة بين القدامى والمحدثين. وإليك البيان : لو ذهبنا نتصفح كتب اللغة قاطبة لرأينا الأحاديث النبوية منثورة فيها بكثرة مستفيضة ، سواء منها المتواتر وغير المتواتر (١).
فمن اللغويين الذين استشهدوا بالحديث في مسائل اللغة :
«أبو عمرو بن العلاء ، والخليل ، والكسائي ، والفراء ، والأصمعي ، وأبو عبيد ، وابن الأعرابي ، وابن السكيت ، وأبو حاتم ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن دريد ، وأبو جعفر النحاس ، وابن خالويه ، والأزهري ، والفارابي ، والصاحب بن عباد ، وابن فارس ، والجوهري ، وابن بري ، وابن سيده ، وابن منظور ، والفيروزأبادي» وغيرهم.
قال «السيوطي» : «قال أبو الحسن الشاري : ومذهبي ومذهب شيخي أبي ذر الخشني ، وأبي الحسن ابن خروف ، أن «الزّبيدي» أخلّ بكتاب «العين» كثيرا ، لحذفه شواهد القرآن والحديث ، وصحيح أشعار العرب منه ..
ولما علم ذلك الإمام «التياني» عمل كتابه «فتح العين» وأتى فيه بما في العين من صحيح اللغة .. دون إخلال بشيء من شواهد القرآن والحديث ...» (٢)
فهذا صريح في أن «الخليل» كان يستشهد في كتابه «العين» بالحديث ، ولم يكن «الخليل» بدعا من اللغويين ، وما صنعه «الخليل» صنعه غيره من أئمة اللغة ..
__________________
(١) الحديث المتواتر : هو ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول السند إلى منتهاه ، على ألا يختل هذا الجمع في أي طبقة من طبقات السند. وهذا النوع قطعي الثبوت ، وهو بمنزلة العيان ، يجب العمل به ، ويكفر جاحده ، والتواتر أعلى مراتب النقل.
وينقسم المتواتر إلى تواتر لفظي ، وتواتر معنوي ، فاللفظي : ما رواه بلفظه جمع عن جمع ـ لا يتوهم تواطؤهم على الكذب ـ من أوله إلى منتهاه ، كحديث : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». والمعنوي : ما اتفق نقله على معناه من غير مطابقة في اللفظ ، ومثال ذلك : أحاديث الشفاعة ، وأحاديث الرؤية ، وأحاديث نبع الماء من بين أصابعه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وغير ذلك.
وقد جمع «السيوطيّ» كثيرا من الأحاديث المتواترة في كتابه : «الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» ، كما صنف المحدث «محمد بن جعفر الكتاني» كتابة : «نظم المتناثر من الحديث المتواتر».
«أصول الحديث» : ٣٠١.
(٢) «المزهر» ١ : ٨٨.