ولقد قال «ابن الطيب الفاسي» : ذهب إلى الاحتجاج بالحديث الشريف جمع من أئمة اللغة (١) ، منهم : «ابن مالك ، وابن هشام ، والجوهري ، وصاحب البديع ، والحريري ، وابن سيده ، وابن فارس ، وابن خروف ، وابن جني ، وابن بري ، والسهيلي». وغيرهم ممن يطول ذكره.
ويمكن أن نقول : إنه لا يختلف موقف النحاة عن موقف اللغويين ، إذ لا يعقل أن يستشهد «الخليل» مثلا بالحديث في اللغة ، ثم لا يستشهد به في النحو ، واللغة والنحو صنوان ، يخرجان من أصل واحد. وإن كانت شواهد النحاة من الحديث ليست في غزارة شواهد اللغويين وكثرتها ، فهي قليلة بالنسبة إليها ، وبخاصة عند النحاة القدماء.
الاستشهاد بالحديث عن النحويين :
السنة النبوية هي الأصل الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم ، جاءت مبينة له وشارحة ، فصّلت موجزه ، وقيّدت مطلقه ، وقد اتفق العلماء على حجية السنة ، والأخذ بها.
قال «الشوكاني» : «إن ثبوت السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية ، لا يخالف في ذلك إلّا من لا حظّ له في الإسلام (٢)».
فكان الصحابة ـ رضياللهعنهم ـ إذا عرض لهم أمر بحثوا عنه في كتاب الله ـ تعالى ـ فإن لم يجدوه طلبوه في السنة ، وإلّا اجتهدوا في حدود القرآن والسنة وأصولها ، فكان ذلك مدعاة عنايتهم بالأحاديث وحفظها ، بلفظها أو بمعناها ، يستلهمونها من أقواله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عارفين الظروف والملابسات التي قيلت فيها.
أما في ميدان النحو فقد سكت علماء المرحلة الأولى عن الاستدلال بالحديث ، لم يشذ منهم أحد ؛ لأنه وقع في بعض الأحاديث شيء من الأساليب
__________________
(١) ليس كلّ من ذكرهم «ابن الطيب» هم من أهل اللغة ، بل فيهم نحاة ، كـ «ابن مالك» و «ابن هشام» وغيرهما. وصنيعه هذا من قبيل التغليب.
(٢) «إرشاد الفحول» ٣٣.