ضاق به «أبو حيان» شارح «التسهيل» غير مرة ، حتى غلا في بعض هذه المرات ، فقال : «والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين ، وما أمعن النظر في ذلك!! ولا صحب من له التمييز (١)!!!»
ثم جاء «ابن هشام» (ـ ٧٦١ ه) تلميذ «أبي حيان» ونقيضه في مذهبه إزاء الاستشهاد في الحديث ، يكثر من الاحتجاج به في كتبه ما وجد إلى ذلك سبيلا ، كغيره من النحاة ، حتى لفت نظر مترجميه على أنه «كان كثير المخالفة لشيخه أبي حيان ، شديد الانحراف عنه» (٢).
وقد قرر هذا الاتجاه وأيده «البدر الدماميني» (ـ ٨٢٨ ه) في شرحه لـ «التسهيل» المسمى : «تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد» نقل «البغداديّ» (ـ ١٠٩٣ ه) ـ صاحب خزانة الأدب ـ كلام «البدر الدماميني» من شرح «التسهيل» ، وهذا نصه :
وقد أكثر المصنف من الاستدلال بالأحاديث النبوية ، وشنّع (أبو حيان) عليه ، وقال : إن ما استند إليه من ذلك لا يتم له ، لتطرّق احتمال الرواية بالمعنى ، فلا يوثق بأن ذلك المحتجّ به لفظه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ حتّى تقوم به الحجة.
وقد أجريت ذلك لبعض مشايخنا فصوّب رأي (ابن مالك) فيما فعله ، بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في هذا الباب ، وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية ، وكذا ما يتوقّف عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب ، فالظن في ذلك كلّه كاف. ولا يخفى أنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتجّ به لم يبدّل ؛ لأن الأصل عدم التبديل ، ولا سيما والتشديد في الضبط ، والتحري في نقل الأحاديث شائع بين النّقلة والمحدّثين. ومن يقول منهم بجواز النقل بالمعنى فإنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي الذي لا ينافي وقوع نقيضه ، فلذلك تراهم يتحرّون في الضبط ويتشددون ، مع قولهم بجواز النقل بالمعنى ؛ فيغلب على الظن من هذا
__________________
(١) «الاقتراح» ٥٣.
(٢) «بغية الوعاة» ٢ : ٦٩.