أما «ابن مالك» فهو إمام في الحديث بالإضافة إلى إمامته في علم العربية ، وهذا هو السبب الذي حدا به إلى الاستشهاد بالحديث.
قال «الصلاح الصفدي» : كان ـ ابن مالك ـ أمّة في الاطلاع على الحديث ، فكان أكثر ما يستشهد بالقرآن ، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث ، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب (١).
والقدامى لم يثيروا هذه القضية ، ولم يناقشوا مبدأ الاحتجاج بالحديث ، وبالتالي لم يصرحوا برفض الاستشهاد به ، وإنما هو استنتاج من المتأخرين الذين لاحظوا ـ خطأ ـ أن القدامى لم يستشهدوا بالحديث ، فبنوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به ، ثم حاولوا تعليل ذلك.
وأما «المبرد» فقد صرح بالحديث النبوي بكل بساطة في كتابه «المقتضب» ٢ : ٢١٥ بقوله : وجاء عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ليس في الخضروات صدقة» (٢).
إذن فقد كان المتأخرون مخطئين فيما ادعوه من رفض النحاة القدامى الاستشهاد بالحديث ، وكانوا واهمين حينما ظنوا أنهم هم أيضا برفضهم الاستشهاد بالحديث إنما يتأثرون (٣) خطاهم ، وينهجون نهجهم.
ونحن نحمّل «ابن الضائع» و «أبا حيان» تبعة شيوع هذه القضية الخاطئة ، فهما أوّل من روّج لها ، ونادى بها ، وعنهما أخذها العلماء ، دون تمحيص
__________________
(١) «بغية الوعاة» ١ : ١٣٤.
(٢) رواه «الدارقطني» في «سننه» في (كتاب الزكاة ـ باب ليس في الخضروات صدقة) ٢ : ٩٥ من حديث «علي بن أبي طالب» ، وعن «طلحة بن معاذ» ، وعن «أنس بن مالك».
و «الترمذي» في «سننه» في (كتاب الزكاة ـ باب ما جاء في زكاة الخضروات) ٢ : ٧٥. وقال إسناد هذا الحديث غير صحيح ، وليس يصحّ في هذا الباب عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شيء. وانظر «فيض القدير» ٥ : ٣٧٤.
(٣) تأثّره : تبع أثره ـ (قاموس).