أو تحقيق ، ثقة في حكمهما ، أو تخففا من البحث ، وركونا إلى الراحة ، والتماسا لأيسر السبل. ولعل منشأ تلك الفكرة الخاطئة ، هو أن القدماء سكتوا عن الاستشهاد بالحديث ، واكتفوا بدخوله تحت المعنى العام لكلمة (نصوص فصحاء العرب) ، ثم حين جاء من تلوهم ودوّنوا هذه الفكرة كانوا يفهمون ذلك فلم يخصوا الحديث النبوي بنص مستقل ، فلما جاء «ابن الضائع» و «أبو حيان» وغيرهما ولم يجدوا نصا مستقلّا يعدّ الحديث من مصادر الاحتجاج ظنوا أن القدماء لم يكونوا يستشهدون به ، وسجلوا هذا الظن على أنه حقيقة واقعة ، وجاء من بعدهم فنقلوا عنهم دون تمحيص ، وتابعوهم من غير بحث.
ويؤيد هذا الافتراض أن «السيوطيّ» استنبط من قول صاحب «ثمار الصناعة» : «النحو علم يستنبط بالقياس والاستقرار من كتاب الله ـ تعالى ـ وكلام فصحاء العرب» أن النحاة لم يكونوا يستشهدون بالحديث ، فعقب على ذلك بقوله : «فقصره؟؟؟ عليهما ، ولم يذكر الحديث» (١).
وهناك أسباب كثيرة تحمل على الشك في صحة ما نسب إلى الأقدمين من رفضهم الاستشهاد بالحديث ، بل هناك من الدلائل ما يكاد يقطع ـ إن لم يكن يقطع فعلا ـ أنهم كانوا يستشهدون به ، ويبنون عليه قواعدهم ، سواء منهم من اشتغل باللغة أو النحو أو بهما معا. ولهذا لا يسع الباحث المدقق أن يسلّم بما ادعاه المتأخرون ، وسنده في ذلك ما يأتي :
(١) إن الأحاديث أصح سندا من كثير مما ينقل من أشعار العرب ، ولهذا قال «الفيومي» بعد أن استشهد بحديث : «فأثنوا عليه شرّا» (٢) على صحة إطلاق الثناء على الذكر بشرّ قال : «قد نقل هذا العدل الضابط ، عن العدل
__________________
(١) «الاقتراح» ٥٤.
(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجنائز ـ باب فيمن يثنى عليه خير أو شر من الموتى) ٣ : ٥٣ ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الجنائز ـ باب ما جاء في الثناء على الميت) ١ : ٤٧٨ ، من حديث «أنس بن مالك». وغيرهما.