الاتجاه الثاني : ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى رفض الاستشهاد بالحديث والاحتجاج به صراحة.
قال «ابن الطيب» : «لا نعلم أحدا من علماء العربية خالف العلماء في الاحتجاج بالحديث الشريف إلّا ما أبداه الشيخ «أبو حيان» في شرح التسهيل ، و «أبو الحسن ابن الضائع» (١) في شرح الجمل ، وتابعها على ذلك «الجلال السيوطي» ـ رحمهالله ـ فأولع بنقل كلامهما ، واللهج به في كتبه ، واعتنى باستيفائه في كتابه الموسوم بـ «الاقتراح في علم أصول النحو» ، وهو كتاب بديع ، رتّبه على ترتيب أصول الفقه في الأبواب والفصول ، وأبدى فيه نكتا غريبة ، جعلها للفروع النحوية كالأصول ، واستوفاه فيما كتبه على «المغنى» ، ولهج به في غيرهما من كتبه ظانّا أنه من الفوائد الغريبة ، متلقيا له بالقبول تقليدا ، غافلا عن أنه في هذا الباب لا يسمن ولا يغنى» (٢) : ه.
قال «البغدادي» : قال «أبو الحسن ابن الضائع» في شرح الجمل :
تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة ـ كسيبويه ، وغيره ـ الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث ، واعتمدوا في ذلك على القرآن ، وصريح النقل عن العرب ، ولو لا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان
__________________
(١) جاء في «أصول التفكير النحوي» ١٣٦ ـ ١٤١ ذكر «ابن الصائغ» ثماني مرات ، وصوابه : «ابن الضائع» بالضاد المعجمة ، والعين المهملة ، وهو «عليّ بن محمد بن عليّ بن يوسف الكتاميّ الإشبيليّ ، أبو الحسن ، المعروف بابن الضائع» ـ ٦٨٠ ه ، وهو صاحب شرح الجمل. انظر «بغية الوعاة» ٢ : ٢٠٤. أما «ابن الصائغ» فهو «محمد بن عبد الرحمن بن عليّ بن أبي الحسن الزمرديّ ، شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي» ـ ٧٧٦ ه فلم يعرف له بحث في «الاحتجاج بالحديث» ولم يعرف عنه أنه شرح كتاب الجمل ، وعلى كل لم يقصده النحاة في هذه المسألة. انظر «بغية الوعاة» ١ : ١٥٥.
(٢) «تحرير الرواية في تقرير الكفاية» ٩٦ ، ٩٧.