الأمر الثاني : أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث (١) ، لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو ، فوقع اللّحن في كلامهم وهم لا يعلمون ، وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب. ونعلم قطعا من غير شك أنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان أفصح العرب ، فلم يكن يتكلّم إلا بأفصح اللغات ، وأحسن التراكيب ، وأشهرها وأجزلها ، وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز ، وتعليم الله ذلك له من غير معلّم. والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين ؛ وما أمعن النظر في ذلك ، ولا صحب من له التمييز.
وقد قال لنا قاضي القضاة «بدر الدين بن جماعة» ـ وكان ممن أخذ عن ابن مالك ـ قلت له : يا سيدي ، هذا الحديث رواية الأعاجم ، ووقع فيه من روايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول ، فلم يجب بشيء.
قال «أبو حيان» : وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ : ما بال النحويين يستدلون بقول العرب ، وفيهم المسلم والكافر ، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول ، كالبخاري ومسلم وأضرابهما؟! فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدلّ النحاة بالحديث» (٢). ا ه
ويقول «أبو حيان» : «إن علماء العربية الذين استنوا قوانينها وقواعدها لم يبنوا أحكامهم على ما ورد في الحديث ... وجاء هذا الرجل ـ يعني : ابن مالك ـ متأخرا في أواخر قرن سبعمائة ، فزعم أنه يستدرك على المتقدمين ما
__________________
(١) قال «الفيومي» في «المصباح المنير» ٦٥٨ : «قال أبو سليمان الخطّابي : إن لفظ الحديث تناقلته أيدي العجم حتى فشا فيه اللحن ، وتلعّبت به الألسن اللّكن حتى حرّفوا بعضه عن مواضعه ، وما هذه سبيله فلا يحتجّ به بألفاظه المخالفة ، لأن المحدّثين لم ينقلوا الحديث لضبط ألفاظه حتّى يحتجّ بها بل لمعانيه ، ولهذا أجازوا نقل الحديث بالمعنى ، ولهذا قد تختلف ألفاظ الحديث الواحد اختلافا كثيرا».
(٢) «خزانة الأدب» ١ : ٥.