أغفلوه ، وينبه الناس على ما أهملوه ، ولله در القائل : لن يأتي آخر هذه الأمة بأفضل مما أتى به أولها» (١).
قال الأستاذ سعيد الأفغاني في كتابه «في أصول النحو» ٤٩ :ولا عجب في أن يتدارك المتأخرون ما فات المتقدمين ، بل إن ذلك هو المنتظر المعقول ، إذ كان العالم من الأوائل يعلم روايات محدودة ، وخيرهم من صنف مفردات اللغة في موضوع واحد ، كالأصمعي ، مثلا. ثم جاءت طبقة بعدهم وصل إليها كلّ ما صنف السابقون فكانت أوسع إحاطة ، ثم جاءت طبقة بعد طبقة ، وألفت المعاجم بكل ما اطلع عليه أصحابها من تصانيف ونصوص غاب أكثرها عن الأولين فكانوا أوسع علما ، ولذلك نجد ما لدى المتأخرين من ثروة نحوية أو لغوية أو حديثية شيئا وافرا مكنهم من أن تكون نظرتهم أشمل ، وأحكامهم أسدّ. ولو كانت هذه الثروة في أيدي الأقدمين كأبي عمرو بن العلاء ، والأصمعي ، وسيبويه ... لعضوا عليها بالنواجذ ولغيروا ـ فرحين مغتبطين ـ كثيرا من قواعدهم التي صاحبها ـ حين وضعها ـ شحّ المورد. ولكانوا أشدّ المنكرين على «أبي حيان» جموده ، وضيق نظرته ، وانتجاعه الجدب ، والخصب محيط به من كل جانب.
وقال «ابن الطيب» : «قد أطال «أبو حيان» ـ عفا الله عنه ـ على عادته في التحامل على «ابن مالك» بلا طائل ، وأبدى أدلة حالية بالتمويه ، خالية من الدلائل ، وحاصل ما قاله : إن نحاة البلدين البصرة والكوفة لم يستدلّوا بالحديث ، وتابعهم على ذلك نحاة الأقاليم ، وعلل ذلك بوجهين :
جواز الرواية بالمعنى.
ووقوع اللحن كثيرا في الأحاديث ، لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو ، فوقع اللحن في كلامهم. وبنى على ذلك كلامه كلّه ، واعتراضه على «ابن مالك». فأما عدم استدلالهم
__________________
(١) «تمهيد القواعد» ٥ : ١٧١ نقلا من كتاب «أصول التفكير النحوي» : ١٣٧.