بالحديث فلا يدل على أنهم يمنعون ذلك ، ولا يجوّزونه كما توهمه ، بل تركهم له لعدم تعاطيهم إياه ، وقلّة إسفارهم عن محيّاه ، على أن كتب الأقدمين الموضوعة في اللغة لا تكاد تخلو عن الأحاديث والاستدلال بها على إثبات الكلمات ، واللغة أخت النحو. وأيضا في الصدر الأول لم يكن الحديث مدوّنا مشهورا مستعملا استعمال الأشعار العربية ، والآي القرآنية ، وإنما اشتهر ودوّن بعدهم ، فعدم احتجاجهم به لعدم اشتهاره بينهم ، وعلماء الحديث غير علماء العربية ، ولما تداخلت العلوم وتشاركت استعملوا بعضها في بعض ، وأدخلوا فنّا في فن ، حتى صارت المنقولات المحضة نوعا من المعقولات. وبالجملة فكونهم لم يحتجّوا بالحديث لا يلزم منه منعهم ذلك كما لا يخفي وأما ادّعاؤه أن نحاة الأقاليم تابعوهم على ذلك فهو مصادرة بل هذه كتب الأندلسيين ، وأهل المغرب قاطبة مشحونة بذلك».
وقال «ابن الطيب» أيضا : «أما الرواية بالمعنى فهي وإن كان رأي قوم ، فقد منعها آخرون ، منهم : مالك ـ رضياللهعنه ـ ، بل نسب المنع للجمهور من المحدّثين والأصوليين والفقهاء ، كما نقله «القرطبي» وغيره. وبعد تسليمه ، فمن أجازه اشترط له شروطا مشهورة في علوم الاصطلاح لم تذكر في شيء مما استدل به «ابن مالك» وغيره ، بل قالوا : إنه لا يجوز النقل بالمعنى إلا لمن أحاط بدقائق علم اللغة ، وكانت جميع المحسنات الفائقة بأقسامها على ذكر منه ، فيراعيها في نظم كلامه ، ثم فتح احتمال التغيير والتصرّف يؤدي إلى خرق بعيد الالتئام ، في جميع الأحكام ، لأن المخالف يقول لمخالفه المستدلّ في حكم بلفظ حديث : لعل هذا اللفظ من الراوي. وقالوا : إذا فتح هذا الباب لا يبقى لنا وثوق بحديث ، ولا اطمئنان لشيء من الآثار الواردة عنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأوجد المبتدعة مسلكا للطعن في جميع الأحاديث ، وانتقلنا إلى النظر في دلالالتها على العمومات والإطلاقات ، وغير ذلك مما يترتب على هذا القول من المفاسد العظام.
وأما ادّعاء اللحن في الحديث ، فهو باطل ؛ لأنه إن أراد اللحن الذي هو الخطأ في الإعراب بحيث لا يتخرج على وجه من الوجوه ، فهذا لا وجود له في شيء من الأحاديث أصلا ، وإن أراد أنه على خلاف الظاهر ، كنصب الجزأين