بالوقوع ، وعلى فرض وقوعه فالمغيّر لفظا بلفظ في معناه عربيّ مطبوع يحتج بكلامه في اللغة ، ونحن نعرف مقدار تحري علماء الحديث ، وضبطهم لألفاظه ، حتى إذا شك راو عربي بين قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «على وجوههم» ، وبين قوله : «على مناخرهم» (١) ، أثبتوا شكه ، ودوّنوه مبالغة في التحري والدقة. هذا إلى جانب كثير من الرواة ، صحابة وتابعين دوّنوا الأحاديث من عهد النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فهذا «عبد الله بن عمرو بن العاص» كان يكتب الحديث حياة رسول الله ، وكذلك روي عن «عبد الله بن عمر» ، و «أنس بن مالك» ، و «سهل بن سعد الساعدي» من الصحابة الكرام.
وهذا «عمر بن عبد العزيز» ـ ١٠١ ه يكتب إلى الآفاق أن : «انظروا ما كان من حديث رسول الله ، أو سنته فاكتبوه» ثم كان «الزهري» ـ ١٢٤ ه ، و «ابن أبي عروبة» ـ ١٥٦ ه ، و «الربيع بن صبيح» ـ ١٦٠ ه ممن دونوا الحديث كتابة. ثم شاع التدوين في الطبقات التي بعد هؤلاء ، وهذا كاف في غلبة الظن ، بأن الذي في مدونات الطبقة الأولى لفظ النبي نفسه ، فإن كان هناك إبدال لفظ بمرادفه ، فإنما أبدله عربيّ فصيح يحتجّ به.
وإن وقع بعد ذلك شك في بعض الروايات من غلط أو تصحيف ، فنزر يسير ، لا يقاس أبدا إلى أمثاله في الشعر ، وكلام العرب ، فكثير من الأشعار نفسها رويت بروايات مختلفة ، وبعضها موضوع ، وربما كان ما فطنوا إلى وضعه منه أقل من القليل ، وجاز عليهم أكثر الموضوع إذ كان واضعه قد أحسن المحاكاة. قال «الخليل بن أحمد» : «إن النحارير ربما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت» (٢). وأنتم تحتجون بهذا الشعر والنثر ، على عجره
__________________
(١) في الحديث : «... وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم ـ أو على مناخرهم ـ إلّا حصائد ألسنتهم». أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الإيمان ـ باب ما جاء في حرمة الصلاة) ٤ : ١٢٥ ، من حديث «معاذ بن جبل» ـ رضياللهعنه ـ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.
(٢) «الصاحبي» ٣٠ المطبعة السلفية بالقاهرة.