وهذا «حماد بن سلمة» يقول : «من لحن في حديثي فليس يحدّث عني». وإليك هذه السلسلة : عن «الحسن بن علي الحلواني» قال : «ما وجدتم في كتابي عن عفان لحنا فأعربوه ، فإن عفان كان لا يلحن». وقال لنا «عفان» : «ما وجدتم في كتابي عن «حماد بن سلمة» لحنا فأعربوه ، فإن حمادا كان لا يلحن». وقال «حماد» : «ما وجدتم في كتابي عن قتادة لحنا فأعربوه ، فإن قتادة كان لا يلحن».
انظر كتاب (ألف باء) للبلوي ١ : ٤٤.
وأغلب الظن أن من يستشهد بالحديث من المتقدمين لو تأخر بهم الزمن إلى العهد الذي راجت فيه بين الناس ثمرات علماء الحديث ، من رواية ودراية لقصروا احتجاجهم عليه ، بعد القرآن الكريم ، ولما التفتوا قط إلى الأشعار والأخبار التي لا تلبث أن يطوقها الشك إذا وزنت بموازين فن الحديث العلمية الدقيقة ...
وجرى على الاحتجاج بالحديث العلماء حتى عصرنا الحاضر ، منهم المرحوم الأستاذ طه الراوي (١) ، فقد كان يذهب إلى الاحتجاج بما صح منها دون قيد ولا شرط ، ويعرض للذين اعترضوا بوجود أعاجم في رواة بعض الأحاديث فيقول : «والقول بأن في رواة الحديث أعاجم ليس بشيء ، لأن ذلك يقال في رواة الشعر والنثر اللذين يحتج بهما ، فإن فيهم الكثير من الأعاجم ، وهل في وسعهم أن يذكروا لنا محدّثا ممن يعتد به أن يوضع في صفّ «حماد الراوية» الذي كان يكذب ويلحن ويكسر ، ومع ذلك لم يتورع الكوفيون ، ومن نهج منهجهم عن الاحتجاج بمروياته ، ولكنهم تحرجوا في الاحتجاج بالحديث ...
__________________
(١) هو أديب ، باحث ، عراقي ، من أعضاء المجمع العلمي بدمشق ، ولد سنة ١٣٠٧ ه في «رواة» ، وهي قرية مشرفة على الفرات ، وتوفي بغداد سنة ١٣٦٥ ه. «الأعلام» ٣ : ٢٣٢.