الاتجاه الثالث :
التوسط بين المنع والجواز
ومن أبرز من نهج هذا النهج «أبو إسحاق الشاطبي» ـ ٧٩٠ ه في شرحه للألفية ، المسمى بـ «المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية». فقد قال ما ملخصه في باب «الاستثناء» : لم نجد أحدا من النحويين استشهد بحديث رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم ، الذين يبولون على أعقابهم ، وأشعارهم التي فيها الفحش والخنى ، ويتركون الأحاديث الصحيحة ، لأنها تنقل بالمعنى ، وتختلف رواياتها وألفاظها ، بخلاف كلام العرب وشعرهم ، فإنّ رواته اعتنوا بألفاظها ، لما ينبني عليه من النحو ، ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب ، وكذا القرآن ووجوه القراءات.
وأما الحديث فعلى قسمين :
قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه ، فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان.
وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص ، كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ككتابه لهمدان ، وكتابه لوائل بن حجر ، والأمثال النبوية ؛ فهذا يصح الاستشهاد به في العربية. و «ابن مالك» لم يفصّل هذا التفصيل الضروري الذي لا بدّ منه ، وبنى الكلام على الحديث مطلقا ، ولا أعرف له سلفا إلا «ابن خروف» ؛ فإنه أتى بأحاديث في بعض المسائل ، حتى قال «ابن الضائع» : لا أعرف هل يأتي بها مستدلا بها ، أم هي لمجرد التمثيل؟
والحق أنّ «ابن مالك» غير مصيب في هذا ، فكأنه بناه على امتناع نقل الحديث بالمعنى ، وهو قول ضعيف. (١)
وبهذا الموقف الوسط الذي سلكه «الشاطبي» عارض المانعين للاحتجاج بالحديث ، ورماهم بالتناقض ؛ لأنهم لا يستشهدون بحديث
__________________
(١) «خزانة الأدب» ١ : ٦