الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فإن هذا الكلام يقتضي أنهم كانوا أهل شرف قبل الإسلام ، ثم جاء الإسلام فاستكملوه به ، ولا أحد من الأمة أعظم شرفا في الأصل منهم ، وقد جاء في الصحيح عن «واثلة بن الأسقع» قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إن الله اصطفى من ولد آدم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (١).
وخرج «الترمذي» عن «العباس» أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا» (٢).
قال «الشاطبي» في (المقدمة) عند قول «ابن مالك» :
وهو بسبق حائز تفضيلا |
|
مستوجب ثنائي الجميلا |
... فإن السابق له فضيلة ظاهرة على غيره من اللاحقين ، إذ كان اللاحق مهتديا بناره ، مقتديا بفعله ، فكانا كالإمام والمأموم.
روى أن «إسحاق بن إبراهيم» لما صنع كتابه في النغم واللحون عرضه على «إبراهيم بن المهدي» ، فقال : لقد أحسنت يا أبا محمد ، وكثيرا ما تحسن ، فقال «إسحاق» : بل أحسن «الخليل» ؛ لأنه جعل السبيل إلى الإحسان ـ يعني بعلم العروض ـ. فقال «إبراهيم» : ما أحسن هذا الكلام! فممّن أخذته؟ قال : من «ابن مقبل» إذ سمع حمامة من المطوقات ، فاهتاج لمن يحب ، فقال :
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة |
|
بليلى شفيت النفس قبل التندم |
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا |
|
بكاها فقلت : الفضل للمتقدم |
__________________
(١) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفضائل ـ باب فضل نسب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) ٧ : ٥٨ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) ٥ : ٢٤٣ ، و «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٠٧ ، وانظر «التلخيص الحبير» ٣ : ١٨٧.
(٢) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) ٥ : ٢٤٤.