وقال «ابن مالك» في «شواهد التوضيح» : ٦٥ :
تضمن هذا الحديث ثبوت خبر المبتدأ بعد «لو لا» ، وهو مما خفي على النحويين إلّا «الرماني» و «الشجري».
وقد يسرت لي في هذه المسألة زيادة على ما ذكراه. فأقول ـ وبالله أستعين ـ : إن المبتدأ المذكور بعد «لو لا» على ثلاثة أضرب :
(١) مخبر عنه بكون غير مقيّد.
(٢) ومخبر عنه بكون مقيّد ، لا يدرك معناه عند حذفه.
(٣) ومخبر عنه بكون مقيّد ، يدرك معناه عند حذفه.
فالأول ، نحو : (لو لا زيد لزارنا عمرو) ، فمثل هذا يلزم حذف خبره ، لأن المعنى : لو لا زيد ، على كل حال من أحواله ، لزارنا عمرو. فلم تكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها ، فلزم الحذف لذلك ، ولما في الجملة من الاستطالة المحوجة
__________________
ـ وبالجملة من أمعن النظر في أئمة الحديث ، وعلم احتياطهم ، وما كانوا عليه من التحرز في الرواية بالمعنى والإتقان علم علما ضروريا أن مثل «البخاري» و «مسلم» لم يدخلوا في صحاحهم ما هو مروى بالمعنى أصلا ، فأنت ترى «مسلما» كيف يتحرز في «صحيحه» في ألفاظ شيوخه ، إذا روى عن جماعة كلهم عن واحد ، وتختلف عباراتهم في التحديث ، والإخبار ، فيقول : قال فلان : حدثنا ، وقال فلان : أخبرنا ، مع أنهم صرحوا باتحاد التحديث والإخبار ، ومع ذلك يحتاط في ألفاظهم ، فضلا عن ألفاظ الحديث. فالقول بأن مثل هؤلاء يروون بالمعنى مع هذا التحفظ البالغ ، والاحتياط الخارج عن الطوق بعيد جدا.
والذي تدل له الاصطلاحات وهو الظاهر أنهم يجيزون الرواية بالمعنى ، في نحو الوعظ ، والتقرير باللسان.
وأما ما يثبتونه في الدواوين فلا معنى للقول فيه بالرواية بالمعنى ، ولا سيما مع عدم التنبيه عليه ، ولا ذكر الشروط المشروطة ممن يقول به ، ويميل إليه. ثم اعتناؤهم في الروايات والجمع بينها ، وضبطها والوقوف عندها من غير إقدام على تبديلها ، ولا اجتراء على إبطالها ظاهر في أن المقصود الألفاظ حتى إنهم لا يغيرون لغة ضعيفة لأخرى مشهورة ، بل صرحوا بإبقاء الألفاظ على ما هي عليه ، ولو كانت ملحونة غير صالحة.
وأجازوا قراءتها على القواعد دون تغييرها وإصلاحها. فلو كان المعتمد هو الرواية بالمعنى دون الألفاظ ما أبقوا ذلك ، ولا أجازوه ولا تركوا الألفاظ التي ظاهرها اللحن والتصحيف مثبتة ، بل يصلحون ذلك اعتمادا على ما اختاروه من أن المقصود المعنى ، على أنا نجدهم يتأولون ذلك ، ويخرّجونه على الوجوه البعيدة ، ويتكلفون له أكثر مما يتكلفون للآي القرآنية.
وكونهم يعتنون هذا الاعتناء بمجرد كلام الرواة اللحانين المغيرين لأصل الأحاديث مما لا معنى له مع تنصيصهم على إبقاء اللحن في مواضعه ، وعدم إصلاحه. والله أعلم.