وقال «مجد الدين ، أبو السعادات ، المبارك بن محمد الجزري ، ابن الأثير» ـ ٦٠٦ ه : «... وقد عرفت ـ أيدك الله وإيانا بلطفه وتوفيقه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أفصح العرب لسانا ، وأوضحهم بيانا ، وأعذبهم نطقا ، وأسدّهم لفظا ، وأبينهم لهجة ، وأقومهم حجّة ، وأعرفهم بمواقع الخطاب ، وأهداهم إلى طرق الصواب ، تأييدا إلهيّا ، ولطفا سماويا ، وعناية ربّانية ، ورعاية روحانية ، حتى لقد قال له «عليّ» ـ كرّم الله وجهه ـ وسمعه يخاطب وفد بني نهد ـ : يا رسول الله ، نحن بنو أب واحد ، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال : «أدبني ربي فأحسن تأديبي (١) ، وربّيت في بني سعد».
فكان صلىاللهعليهوسلم يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم ، وتباين بطونهم ، وأفخاذهم ، وفصائلهم ، كلّا منهم بما يفهمون ، ويحادثهم بما يعلمون. ولهذا قال ـ صدّق الله قوله ـ : «أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم» (٢) فكأن (٣) الله ـ عزوجل ـ قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره من بني أبيه ، وجمع فيه من المعارف ما تفرّق ولم يوجد في قاصي العرب ودانيه. وكان أصحابه ـ رضياللهعنهم ـ ومن يفد عليه من العرب يعرفون أكثر ما يقوله ، وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم» (٤).
وقال «مصطفى صادق الرافعي» ـ ١٣٥٦ ه (بتصرف) : «ولا نعلم أن هذه الفصاحة قد كانت له صلىاللهعليهوسلم إلا توفيقا من الله ، وتوقيفا ، إذ ابتعثه للعرب ، وهم قوم يقادون من ألسنتهم ، ولهم المقامات المشهورة في البيان
__________________
(١) أخرجه «العسكري» في «الأمثال» عن «علي» ـ رضياللهعنه ـ مرفوعا ، في حديث طويل ، وسنده ضعيف. وقال في «اللآلي» لـ «السيوطي» : معناه صحيح ، لكن لم يأت من طريق صحيح.
«المقاصد الحسنة» ٢٩ ، «كشف الخفاء» ١ : ٧٠ ، و «تمييز الطيب من الخبيث» ١٢.
(٢) عزاه الحافظ «ابن حجر» لـ «مسند الحسن بن سفيان» عن «ابن عباس». وسنده ضعيف جدا.
ول «الديلمي» في «مسنده» عن «ابن عباس» رفعه : «يا ابن عباس لا تحدث قوما حديثا لا تحتمله عقولهم». «المقاصد الحسنة» ٩٣ ، و «كشف الخفاء» ١ : ١٩٦.
(٣) لعلها تصحيف ، وصوابها : «فكان» بلا همزة ، لما لا يخفى.
(٤) مقدمة «النهاية في غريب الحديث والأثر».