«حروف الجر»
مسألة (٥٢)
في ورود «من» لابتداء الغاية الزمانية (١)
تأتي «من» لابتداء الغاية الزمانية. وهذا ما أثبته «الكوفيون». ومنعه أكثر البصريين.
و «ابن هشام» اختار رأي الكوفيين ، وعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)(٢) والحديث : «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة» (٣)
وقول «النابغة الذبياني» :
تخيّرن من أزمان يوم حليمة |
|
إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب (٤) |
__________________
(١) موارد المسألة : «أوضح المسالك» ٢ : ١٢٩ ، و «مغنى اللبيب» ٤٢٠ (من) ، و «شرح الأشموني» ٢ : ٢١١.
(٢) التوبة : ١٠٨.
(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الاستسقاء ـ باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردّهم) ٢ : ١٩.
و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الاستسقاء ـ باب متى يستسقي الإمام) ٣ : ١٥٥.
و «مالك» في «الموطأ» في (كتاب الاستسقاء ـ باب ما جاء في الاستسقاء) ١ : ١٩١.
(٤) «حليمة» هي بنت الحارث بن أبي شمّر الغساني ، ملك عرب الشام ، وفيها سار المثل ، فقيل : «ما يوم حليمة بسرّ» أي : خفيّ ، وهذا اليوم هو اليوم الذي قتل فيه «المنذر بن المنذر» ملك عراق العرب ، فسار بعربها إلى «الحارث الغسّاني». وهو أشهر أيام العرب ، وإنما نسب اليوم إلى «حليمة» ؛ لأنها حضرت المعركة محضّضة لعسكر أبيها. فتزعم العرب أنّ الغبار ارتفع في يوم حليمة حتى سدّ عين الشمس ، وظهرت الكواكب المتباعدة من مطلع الشمس ، فسار بها المثل اليوم.
الشاهد : أنّ «من» ابتدائية في الزمن.
قال «أبو حيان» في «شرح التسهيل» بعد إيراد الشواهد الكثيرة : وكونها لابتداء الغاية للزمان مختلف فيه ، منع من ذلك البصريون ، وأثبته الكوفيون ، وهو الصحيح ، وقد كثر ذلك في لسان العرب ، نثرها ونظمها كثرة تسوّغ القياس ، وتأويل البصريين لذلك مع كثرته ليس بشيء. «شرح أبيات مغنى اللبيب» ٥ : ٣٠٤ ـ ٣٠٦ والضمير في «تخيّرن» نائب عن الفاعل ، وهو يرجع الى «السيوف» ؛ لأن «النابغة» يصف السيوف بهذا البيت. «المقاصد النحوية» ٣ : ٢٧٢.