مسألة (٧٩)
في استعمال «حتى» لمطلق الجمع (١)
«حتى» : لا تقتضي الترتيب ، بل مطلق الجمع ، كالواو. ويشهد لذلك قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (كلّ شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) (٢) وليس في القضاء ترتيب ، وإنما الترتيب في ظهور المقتضيات.
وفي «شرح صحيح مسلم» للنووي ١٦ : ٢٠٥ : «فقوله عليهالسلام : حتى العجز والكيس» قال القاضي : (٣) رويناه برفع العجز والكيس عطفا على «كل» وبجرهما عطفا على «شيء» ، قال : ويحتمل أن العجز هنا على ظاهره ، وهو عدم القدرة. وقيل : هو ترك ما يجب فعله والتسويف به ، وتأخيره عن وقته.
قال : ويحتمل العجز عن الطاعات ، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة.
والكيس : ضد العجز ، وهو النشاط والحذق بالأمور ، ومعناه : أن العاجز قد قدر عجزه. والكيس قد قدر كيسه.
__________________
(١) مورد المسألة : «شرح ابن الناظم» ٢٠٦.
(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب القدر ـ باب كل شيء بقدر) ٨ : ٥١ عن «عبد الله ابن عمر».
(٣) هو أبو الفضل عياض بن موسى ، سبتي الدار والميلاد ، أندلسي الأصل. كان إمام وقته في الحديث وعلومه ، وبالتفسير وعلومه ، وبالنحو واللغة ، وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم. وكان شاعرا مجيدا ، خطيبا بليغا ، صبورا حليما ، جميل العشرة ، جوادا ، سمحا ، كثير الصدقة ، دؤوبا على العمل ، صلبا في الحق. أخذ العلم عن علماء قرطبة. له التصانيف المفيدة ، منها : «إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم» و «مشارق الأنوار» في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم ، وضبط الألفاظ ، والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات ، وضبط أسماء الرجال. وهو كتاب لو كتب بالذهب ، أو وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه. وفيه أنشد بعضهم :
مشارق أنوار تبدّت بسبتة |
|
ومن عجب كون المشارق بالغرب |
وكتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أبدع فيه كل الإبداع ، وسلّم له أكفاؤه كفاءته فيه ، ولم ينازعه أحد في الانفراد فيه ، ولا أنكروا مزية السبق إليه ، بل تشوفوا للوقوف عليه ، وأنصفوا في الاستفادة منه ، وحمله الناس عنه ، وطارت نسخه شرقا وغربا. توفي بمراكش سنة ٥٤٤ ه. «الديباج المذهب» ١٦٨.