وزعم بعض المتأخرين أن فاء جواب «أمّا» لا تحذف في غير الضرورة أصلا ، وأن الجواب في الآية : (فَذُوقُوا الْعَذابَ) ، والأصل : فيقال لهم : ذوقوا ، فحذف القول وانتقلت الفاء إلى المقول ، وأن ما بينهما (١) اعتراض. ومن هذا قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ)(٢).
فإن أصله : فيقال لهم : ألم تكن آياتي ، ثم حذف القول ، وتأخرت الفاء عن الهمزة.
وورد في «شرح الأشموني» وغيره : لا تحذف هذه الفاء إلا في ضرورة ، نحو قول الشاعر :
فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
ولكنّ سيرا في عراض المواكب (٣) |
أراد : فلا قتال لديكم. فحذف الفاء ؛ لإقامة الوزن.
أو في ندور ، نحو قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) (٤).
وقول «عائشة» ـ رضياللهعنها ـ : (وأمّا الذين جمعوا بين الحجّ والعمرة طافوا طوافا واحدا) (٥).
__________________
(١) أي : بين «فأما الذين اسودّت» وفاء الجواب الداخلة على القول المحذوف ، والجملة المعترضة هي : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ).
(٢) الجاثية : ٣١.
(٣) قال «العينيّ» : هذا البيت مما هجى به قديما بنو أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس. في عراض المواكب : في شقها وناحيتها. والمواكب : جمع موكب ، وهم القوم الركوب على الإبل المزيّنة. وكذلك جماعة الفرسان.
(٤) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب البيوع ـ باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحلّ) ٣ : ٢٩ ، وانظر «عمدة القاري» ١١ : ٢٨٨.
(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الحج ـ باب طواف القارن) ٢ : ١٦٨ برواية :
«طافوا طوافا واحدا» هكذا بغير فاء في جواب «أمّا» ، وللكشميهني : «فإنما طافوا طوافا واحدا».