الاتجاه الثالث : التوسط بين الاتجاهين.
فهذا التقسيم كان أخيرا بسبب ما أثاره «ابن الضائع» و «أبو حيان».
(١٢) ظهر مما قدمته ـ لكل ذي عينين أن الذين احتجوا بالحديث الشريف بكثرة في مسائل النحو والصرف ، هم من أئمته ، أو من المطلعين عليه ، والمشتغلين به.
وأما الذين لم يحتجوا به بكثرة ، فليس لهم نصيب في هذا الشأن ، وليسوا من أرباب هذا الفن ، وبضاعتهم فيه قليلة.
(١٣) بان لنا ـ بوضوح ـ أن الروايات المخالفة للقواعد النحوية أنواع ، أذكر منها ثلاثة أنواع :
النوع الأول : روايات أخذت من كتب اللغة وغيرها من الكتب غير المتخصصة في الحديث الشريف ، وهي ليست بحجة في رواية الحديث. وقد قرر العلماء قديما : أن المسألة المتعلقة بباب تؤخذ من الباب نفسه ، ولا ينبغي أن تؤخذ من باب مغاير فيما ذكرت استطرادا في غير بابها. فما بالك إن أخذ الحديث من غير كتبه ، ومن غير معينه.
النوع الثاني : روايات أخذت من كتب الحديث ، ولكنها روايات قليلة ، أو شاذة ، أو نادرة ، مع وجود الرواية المشهورة.
النوع الثالث : قطعة من حديث قد استشهدوا بها ، وهي مخالفة للأساليب النحوية المشهورة ، وقد تكلفوا في تأويلها ، ولو تتبعوا روايات الحديث في مظانّه لعثروا على الحديث بتمامه ، وأمكن تخريجه على أشهر الضوابط النحوية.
ولا يجوز لنا أن نحكم على الحديث قاطبة ، أنه لا يصح الاحتجاج به لمخالفته القواعد النحوية ، من خلال هذه الأنواع ؛ لأن العلم مبني على التحري والضبط ، والاعتماد على الروايات المشهورة المستفيضة ، الموثوق بها عند أرباب هذا الشأن ، وعلى