رواية الأكثرين الذين عليهم المعوّل ، وإليهم الرحلة ، وعلى تصوّر الحديث بتمامه كيلا يختل البيان ، ويشتبه الإعراب.
وبهذه النتائج أخلص إلى نتيجة حتمية ، وهي أن الكثير من الأحاديث النبوية وصلت إلينا بمحكم لفظها ، وأن بعض الأحاديث قد روي بالمعنى ، مع التحرز البالغ من التغيير المخل بالمعنى الأصلي ، وأن ما عسى أن يكون قد دخل الأحاديث بسبب الرواية بالمعنى شيء يسير قد تنبّه له العلماء ، وبيّنوه ، وصدق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حيث يقول : (يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين) (١).
ولما تقدّم أقول بكل صراحة ووثوق :
إنني أجزم بضرورة الاستشهاد والاحتجاج بالحديث النبوي ، الثابت عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وأنبذ غير ذلك من الآراء الساقطة المتهافتة.
وأذهب مذهب من قال بجواز الاستشهاد بالحديث مطلقا ، سواء أكان مرويا باللفظ أم بالمعنى ؛ لأنه لا ينتج ضرر عن الرواية بالمعنى ؛ لأن شرط الراوي بالمعنى أن يكون من أهل الضبط والإتقان والحفظ ـ كما تقدم بتفصيل مفيد ـ وسواء أكانت الرواية من رواية العرب أم العجم ؛ لأن النقاد والمحدّثين لم يشترطوا أن يكون عربيا ، وألّا يكون من العجم ، بل الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانها ، للعارف به. ولأن جميع الرواة يتحرون اللفظ ، فإذا روى أحدهم بالمعنى أوجبوا عليه
__________________
(١) ذكره «الخطيب» في «شرف أصحاب الحديث» : ٢٨ من حديث أبي هريرة مرفوعا. قال «أحمد» عنه : هو صحيح ، سمعته من غير واحد.
«فائدة» : الخلف : بالفتح ، يقال : خلفه يخلفه خلفا : صار مكانه. والخلف ـ بفتح اللام وسكونها ـ : كلّ من يجيء بعد من مضى ، إلا أنه يستعمل بالتحريك في الخير ، وبالتسكين في الشرّ.
يقال : خلف صدق ، ومنه الحديث الشريف ، ويقال : خلف سوء. ومنه قول «لبيد» :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في خلف كجلد الأجرب |
«اللسان» (خلف) ٩ : ٨٤.