وقال «شمس الدين السخاوي» ـ ٩٠٢ ه : عن «أبي أسامة ، حماد ابن سلمة» (١) ، أنه قال لإنسان : إن لحنت في حديثي فقد كذبت عليّ فإني لا ألحن. وصدق ـ رحمهالله ـ فإنه كان مقدما في ذلك ، بحيث إنّ «سيبويه» شكى إلى «الخليل بن أحمد» ـ ١٧٥ ه أنه سأله عن حديث : «هشام بن عروة» (٢) عن أبيه في رجل رعف ، يعني بضم العين على لغة ضعيفة. فانتهره ، وقال له : أخطأت ، إنما هو (رعف) (٣) ، يعني بفتحها ، فقال له «الخليل» : صدق ، أتلقى بهذا أبا أسامة (٤)؟! وهو سبب تعلّم «سيبويه» العربية (٥).
__________________
(١) كان إماما رأسا في العربية ، فصيحا بليغا ، كبير القدر ، صاحب سنّة ، شديدا على المبتدعة ، زاهدا ، حجة ، روى له «مسلم» والأربعة ، وتوفي سنة ١٦٧ ه ، وفيه قال «اليزيديّ» :
يا طالب النحو ألا فابكه |
|
بعد أبي عمرو وحمّاد |
انظر «بغية الدعاة» ١ : ٥٤٨ ـ ٥٤٩.
(٢) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، أبو المنذر ، القرشي ، الأسدي ، (٦١ ـ ١٤٦ ه) : تابعي ، من أئمة الحديث ، ومن علماء «المدينة» ، ولد وعاش فيها. وزار «الكوفة» فسمع منه أهلها ، ودخل بغداد ، وافدا على «المنصور» العباسي ، فكان من خاصته ، وتوفي بها. روى نحو أربعمائة حديث. «الأعلام» ٨ : ٨٧.
(٣) الرّعاف : دم يسبق من الأنف ، رعف يرعف ، ويرعف رعفا ورعافا ، ورعف ورعف. قال «الأزهري» : ولم يعرف : رعف ، ولا رعف ، في فعل الرّعاف. قال «الجوهري» : ورعف ـ بالضم ـ لغة فيه ضعيفة.
(٤) جاء في «توضيح الأفكار» ٢ : ٣٩٣ سأل أحدهم حماد عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف ، فانتهرني ، وقال : أخطأت إنما هو مرعف ـ بفتح العين ـ ...) أقول : لا وجود لكلمة (مرعف) في شيء من كتب اللغة ، ففي النقل تحريف. والله أعلم.
(٥) انظر «فتح المغيث» ٢ : ٢٢٨ ، و «تدريب الراوي» ٢ : ١٠٦ وذكر أستاذنا العلامة المحقق «عبد السّلام محمد هارون» في نشأة «سيبويه» وطلبه للنحو) في مقدمة تحقيقه وشرحه لكتاب «سيبويه» ص : ٧ ـ ما يلي : ... طفق «سيبويه» يطلب العلم ، فكان الحديث والفقه من أول ما يدرس العلماء فأعجبه ذلك ، وصحب الفقهاء وأهل الحديث ، وكان يستملي الحديث على «حماد بن سلمة بن دينار البصري» ـ ١٦٧ ه قال «القفطي» : «وكان شديد الأخذ» فبينما هو يستملي قول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء» ، فقال «سيبويه» : «ليس أبو الدرداء» وظنه اسم «ليس». فقال «حماد» : لحنت يا سيبويه ، ليس هذا حيث ذهبت ، وإنما «ليس» هاهنا استثناء ، ـ