ودخل رجل على «زياد بن أبيه» فقال : إن أبونا مات ، وإن أخينا وثب على مال أبانا فأكله (١). فقال «زياد» للّذي أضعته من كلامك أضرّ عليك مما أضعته من مالك.
وقيل لرجل : من أين أقبلت؟ فقال : من عند أهلونا (٢). فحسده آخر حين سمعه ، وظن ذلك فصاحة ، فقال : أنا والله أعلم من أين أخذها ، من قوله : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا)(٣) فأضحك كلّ منهما من نفسه (٤).
قال «ابن حزم الأندلسيّ» ـ ٤٥٧ ه : قد حدثني «يونس بن عبد الله بن مغيث» قال : أدركت بـ «قرطبة» مقرئا يعرف بالقرشي ، أحد مقرئين ثلاثة للعامّة كانوا فيها ، وكان هذا القرشي لا يحسن النحو ، فقرأ عليه قارىء يوما سورة «ق» : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)(٥) فردّه عليه القرشي «تحيد» بالتنوين ، فراجعه القارئ ، وكان يحسن النحو ، فلجّ المقرئ ، وثبت على التنوين. وانتشر ذلك الخبر إلى أن بلغ إلى «يحيى بن مجاهد الفزاري الألبيري» ، وكان منقطع القرين في الزهد والخير والعقل ، وكان صديقا لهذا المقرئ ، فمضى إليه فدخل عليه وسلّم عليه ، وسأله عن حاله ، ثم قال له : إنه بعد عهدي بقراءة القرآن على مقرئ فأردت تجديد ذلك عليك ، فسارع المقرئ إلى ذلك ،
__________________
(١) في العبارة لحن ، وصوابها إنّ أبانا مات ، وإنّ أخانا وثب على مال أبينا فأكله) كما هو مقرر في باب «الأسماء الستة» ، فـ «أب» و «أخ» اسمان يرفعان بالواو ، وينصيان بالألف ، ويجران بالياء.
(٢) «أهلون» لفظ ملحق بجمع المذكر السالم ؛ لذا يستحق في إعرابه الرفع بالواو ، والنصب والجر بالياء. وهو ملحق ؛ لأن مفرده «أهل» وهو اسم جنس جامد ، ولم تجتمع فيه شروط جمع المذكر السالم من العلمية أو الوصفية. وصواب الإجابة على مقتضى القاعدة من عند أهلينا). أما حسد الآخر حين سمعه ، وظنه فصاحة فهو دليل الغباء ؛ لذا أورد هذه الحادثة الإمام «أبو الفرج عبد الرحمن الجوزي» ـ ٥٩٧ ه في كتابه «أخبار الحمقى والمغفلين» في (الباب الثامن عشر في المغفلين من المتحذلقين ، فيمن قصد الفصاحة والإعراب ، في كلامه من المغفلين) ص : ١٢٣.
(٣) الفتح : ١١.
(٤) «صبح الأعشى» ١ : ١٦٨.
(٥) ق : ١٩.