فقال له «الفزاري» : أريد أن أبتدئ بالمفصل (١) ، فهو الذي يتردّد في الصلوات.
فقال له المقرئ : ما شئت ، فبدأ عليه من أوّل المفصل ، فلما بلغ سورة «ق» وبلغ الآية المذكورة ، ردّها عليه المقرئ ، بالتنوين ، فقال له «يحيى بن مجاهد» : لا تفعل ، ما هي إلا غير منونة ، بلا شك ، فلجّ المقرئ.
فلما رأى «يحيى بن مجاهد» لجاجه قال له : يا أخي إنه لم يحملني على القراءة عليك إلا لترجع إلى الحق في لطف ، وهذا عظيمة أوقعك فيها قلة علمك بالنحو ، فإنّ الأفعال لا يدخلها تنوين البتة ، فتحيّر المقرئ ، إلّا أنه لم يقنع بهذا.
فقال «يحي بن مجاهد» : بيني وبينك المصاحف ، فبعثوا فأحضرت جملة من مصاحفهم الجيران ، فوجدوها مشكولة بلا تنوين ، فرجع المقرئ إلى الحق ... قال «أبو محمد» : هذا المقرئ واهم مغفل (٢).
وقد كان سلفنا يعنون بتصحيح اللسان.
قال «أبو زيد النحويّ» (٣) قال رجل لـ «الحسن» : ما تقول في رجل ترك أبيه وأخيه؟.
__________________
(١) المفصّل : هو السّبع السابع من القرآن ، سمي به لكثرة فصله بالبسملة ، أو لقلة المنسوخ منه ، ولهذا يسمى بالمحكم أيضا. وقد اختلف في تحديد أول المفصل على اثنى عشر قولا ، كما في «الإتقان» ١ : ١٢١ ، والذي رجحه «ابن كثير» في تفسيره ٤ : ٢٢٠ أن ابتداء المفصل من سورة «ق» ؛ لرواية «أحمد» في «مسنده» ٤ : ٩ ، ٣٤٣ عن «أوس بن حذيفة» ـ رضياللهعنه ـ أنه سأل الصحابة :
كيف تحزّبون القرآن؟ فذكروا أنه سبعة أحزاب ، الحزب الأخير هو المفصل من «ق» حتى تختم. وهذه الرواية حسّن إسنادها «ابن كثير» في «فضائل القرآن» : ٤٩ ، و «العراقي» في تخريج أحاديث الإحياء في (كتاب آداب تلاوة القرآن ـ الباب الثاني). وانظر منهج ابن الجوزى في تفسيره «زاد المسير» ٢٠٣ ـ ٢٠٤.
(٢) «الإحكام في أصول الأحكام» ٦٧٥ ـ ٦٧٧.
(٣) لعله : «سعيد بن أوس ، أبو زيد الأنصاري» توفي نحو ٢١٥ ه بالبصرة عن ٩٣ سنة. كان إماما نحويا ، غلبت عليه اللغة والنوادر والغريب. قال «السيرافي» : كان أبو زيد يقول : كلما قال «سيبويه» :
«أخبرني الثقة» فأنا أخبرته به روى له «أبو داود» و «الترمذي».
قيل : كان «الأصمعي» يحفظ ثلث اللغة ، و «أبو زيد» ثلثي اللغة ، و «الخليل» نصف اللغة ، و «عمرو بن كركرة الأعرابي» يحفظ اللغة كلّها. «بغية الوعاة» ١ : ٥٨٣.