قال «القلقشندي» : قال أبو جعفر النحاس (١) : وقد صار أكثر الناس يطعن على متعلّمي العربية جهلا وتعدّيا ، حتى إنهم يحتجون بما يزعمون أن «القاسم بن مخيمرة» (٢) قال : «النحو أوّله شغل ، وآخره بغي» (٣). قال : وهذا كلام لا معنى له ، لأن أول الفقه شغل ، وأول الحساب شغل ، وكذا أوائل العلوم ، أفترى أن الناس تاركين العلوم من أجل أنّ أوّلها شغل؟ قال : وأما قوله : «وآخره بغي» إن كان يريد به أن صاحب النحو إذا حذقه صار فيه زهو ، واستحقر من يلحن ، فهذا موجود في غيره من العلوم ، من الفقه وغيره في بعض الناس ، وإن كان مكروها. وإن كان يريد بالبغي التجاوز فيما لا يحل ، فهذا كلام محال ، فإن النحو إنما هو العلم باللغة التي نزل بها القرآن ، وهي لغة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكلام أهل الجنة ، وكلام أهل السماء ...
جاء في «حاشية الصبان» ١ : ١٢٦ «فائدة» :
حيث قيل بالجواز والامتناع في أحكام العربية فإنما يعنى بالنسبة إلى اللغة ، ولا يلزم من التكلم بما لا يجوز لغة الإثم الشرعي ، فمن لحن في غير التنزيل والحديث ، كأن نصب الفاعل ، ورفع المفعول ، لا نقول : إنه يأثم ، إلا أن يقصد إيقاع السامع في غلط يؤدي إلى نوع ضرر ، فعليه حينئذ إثم هذا القصد المحرم.
قاله الشيخ «بهاء الدين السبكي» في شرح المختصر.
__________________
(١) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل المراديّ ، المصري ، مولده ووفاته بمصر ، مفسّر ، أديب ، توفي سنة ٣٣٨ ه.
«الأعلام» ١ : ٢٠٨.
(٢) هو القاسم بن مخيمرة الهمداني ، أبو عروة ، الكوفي ، نزيل الشام ، من رجال الحديث ، ثقة فاضل ، وكان يعيش من تجارة له ـ توفي سنة ١٠٠ ه. «تهذيب التهذيب» ٨ : ٣٣٧ ، و «تقريب التهذيب» ٢ : ١٢٠ ، و «الأعلام» ٥ : ١٨٥.
(٣) قال الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه «من قضايا اللغة والنحو» في مبحث : «هل نستسلم لدعاة العامية» ١٢٣ ـ ١٣٦ : الهجوم على الفصحى ، والدعوة إلى تبنّي اللهجات العامية قد ارتبط في القديم بدعاوي الشعوبية وأعداء العروبة ، وفي الحديث بالاستعمار وأعوانه. فـ «ابن مخيمرة» دأب منذ أكثر من ألف عام على مهاجمة اللغة الفصحى ، والحط من شأنها ، وكان يردد دائما قوله : «النحو أوله شغل ، وآخره بغي» حتى انبرى له «أبو جعفر النحاس» العالم اللغوي ، المتوفى عام ٣٣٨ ـ ه.