الفصل الثاني :
تدوين الحديث النبوي
إن الحديث الشريف لم يدوّن تدوينا كاملا في عهد الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كما دوّن القرآن الكريم.
وقد مر تدوين الحديث بمراحل منتظمة حققت حفظه ، وصانته من العبث ، وقد تضامنت الذاكرة والأقلام ، وكان جنبا إلى جنب في خدمة الحديث. روى «مسلم» ـ في كراهة الكتابة ـ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عني ولا حرج ، ومن كذب عليّ. قال همّام : أحسبه قال : متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار» (١).
وروى «البخاريّ» ـ في إباحة الكتابة ـ عن أبي هريرة يقول : «ما من أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحد أكثر حديثا عنه منّي إلّا ما كان من عبد الله ابن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب» (٢).
قال «ابن حجر» : روى أحمد والبيهقي في «المدخل» عن أبي هريرة قال : ما كان أحد أعلم بحديث رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو (٣) ، فإنه كان يكتب بيده ، ويعي بقلبه ، وكنت أعي ولا أكتب ، استأذن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له» الحديث.
__________________
(١) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الزهد والرقائق ـ باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم) ٨ : ٢٢٩ ، وانظر «شرح النووي على صحيح مسلم» ١٨ : ١٢٩ ، و «جامع بيان العلم وفضله» ١ : ٦٣.
(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب العلم ـ باب كتابة العلم) ١ : ٣٦ وانظر «فتح الباري» ١ : ٢٠٦.
(٣) عبد الله بن عمرو بن العاص.