يستفاد منه أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أذن في كتابة الحديث عنه ، وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري.
والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره ، والإذن في غير ذلك.
أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد والإذن في تفريقهما. أو النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس ، وهو أقربهما مع أنه لا ينافيها.
وقيل : النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ ، والإذن لمن أمن منه ذلك (١).
والنهي عن الكتابة إنما كان في أول الإسلام مخافة اختلاط الحديث بالقرآن ، فلما كثر عدد المسلمين وعرفوا القرآن معرفة رافعة للجهالة ، وميزوه من الحديث زال هذا الخوف عنهم ، فنسخ الحكم الذي كان مترتبا عليه ، وصار الأمر إلى الجواز (٢).
قال «ابن حجر» : قال العلماء : كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث ، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا كما أخذوا حفظا ، لكن لما قصرت الهمم ، وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه.
وأوّل من دوّن الحديث «ابن شهاب الزهريّ» ـ ١٢٤ ه على رأس المائة بأمر «عمر بن عبد العزيز» ـ ٨٣ ه ثم كثر التدوين والتصنيف ، وحصل بذلك خير كثير. فلله الحمد (٣).
يقول «الرّامهرمزيّ» ـ ١٠١ ه : «والحديث لا يضبط إلا بالكتاب ، ثم بالمقابلة ، والمدارسة ، والتعهد ، والتحفظ ، والمذاكرة ، والسؤال ، والفحص عن
__________________
(١) «فتح الباري» ١ ـ ٢٠٨.
(٢) ذيل «توضيح الأفكار» ٢ : ٣٥٣.
(٣) «فتح الباري» ١ : ٢٠٨.