ويفهم من هذا أن التدوين الرسمي والجماعي كان في عهد «عمر بن عبد العزيز» أما تقييد الحديث ، وكتابته إفراديا ، وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولم ينقطع تقييد الحديث بعد وفاته ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بل بقي جنبا إلى جنب مع الحفظ ، حتى قيض للحديث من يودعه المدونات الكبرى.
وقد كانت نهاية القرن الأول الهجري ، وبداية القرن الثاني خاتمة حاسمة لما كان من كراهة الكتابة من بعض العلماء ، وإباحتها من بعض آخر ، فقد امتنع عن الكتابة من كبار التابعين :
«عبيدة بن عمرو السلماني المرادي» ـ ٧٢ ه ، و «إبراهيم بن يزيد التيمي» ـ ٩٢ ه ، و «جابر بن زيد» ـ ٩٣ ه ، و «إبراهيم النخعي» ـ ٩٦ ه (١).
قال «الأوزاعيّ» ـ ١٥٧ ه : «ما زال هذا العلم عزيزا يتلقاه الرجال حتى وقع في الصحف مجمله ، أو دخل فيه غير أهله» (٢).
وكان «عامر الشعبي» ١٧ ـ ١٠٣ ه يقول : «ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا سمعت من رجل حديثا فأردت أن يعيده عليّ» (٣).
وقد ازدادت كراهة التابعين للكتابة عند ما اشتهرت آراؤهم الشخصية ، فخافوا أن يدونها طلابهم مع الحديث ، وتحمل عنهم ، فيدخله الالتباس (٤).
ومنهم من كان يحرص على الكتابة حرصا شديدا ، منهم «سعيد بن جبير» ـ ٩٥ ه كان يكتب عن «ابن عباس» (٥) ...
__________________
(١) «جامع بيان العلم» ١ : ٦٧ ، و «طبقات ابن سعد» ٦ : ٦٣.
(٢) «سنن الدارمي» (باب من لم ير كتابة الحديث) ١ : ١٢١.
(٣) «جامع بيان العلم» ١ : ٦٧ ، و «سنن الدارمي» ١ : ١٢٥ ، و «المحدث الفاصل» ٣٨٠.
(٤) «جامع بيان العلم» ٢ : ٣١.
(٥) «سنن الدارمي» (باب من رخص في كتابة العلم) ١ : ١٢٨.