الفصل الأول :
صفة رواية الحديث وشرط أدائه
آراء العلماء في رواية الحديث بالمعنى
أجمع العلماء على أن الراوي إذا لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ، ومدلولاتها ، ومقاصدها ، خبيرا بما يحيل معانيها ، بصيرا بمقادير التفاوت بينها ، فإنه لا تجوز له الرواية بالمعنى ، بل يتعين عليه أن يؤدي نفس (١) اللفظ الذي سمعه ، لا يخرم منه شيئا ، ولا يبدل لفظا بلفظ (٢).
واختلفوا في جواز الرواية بالمعنى فيما إذا كان الراوي عالما عارفا بصيرا بذلك (٣).
ولهم في ذلك أقوال أشهرها :
القول الأول : مذهب اللفظ ، وأقصد بذلك أنه مذهب عدم جواز الرواية بالمعنى ، ووجوب مراعاة اللفظ.
وهذا مذهب «عبد الله بن عمر» ـ من الصحابة (٤) ـ ، وقال به طائفة من المحدثين والفقهاء والأصوليين. ومذهب «محمد بن سيرين» بالبصرة ،
__________________
(١) ورد في كتاب «الكتابة الصحيحة» ٣٦٩ : سأفعل نفس الشيء خطأ) وسأفعل الشيء نفسه (صواب).
وورد في «معجم الأخطاء الشائعة» ٢٥٢ : ويقولون : جاء نفس الرجل. والصواب : جاء الرجل نفسه ؛ لأن كلمتي «نفس» و «عين» إذا كانتا للتوكيد ، وجب أن يسبقها المؤكّد ، وأن تكونا مثله في الضبط الإعرابي ، وأن تضاف كل واحدة منهما إلى ضمير مذكور حتما ، يطابق هذا المؤكّد في التذكير والتأنيث ، والإفراد والتثنية والجمع. ا ه
(أقول) كلمة «نفس» إن أردنا أن يكون إعرابها توكيدا فتؤخر عن المؤكّد وجوبا ، ولا يمتنع تقديمها إن أعربت بحسب موقعها من الإعراب. وقد ورد في «لسان العرب» (مادة : نفس) ٦ : ٢٣٦ ما يجيز ذلك ، وهذا نصه : «ونفس الشيء : ذاته ، ومنه ما حكاه «سيبويه» من قولهم : نزلت بنفس الجبل ، ونفس الجبل مقابلي ، ونفس الشيء عينه ، يؤكّد به» وانظر «الكتاب» لسيبويه ١ : ٣٩٠. فعلى ذلك يحكم بصحة العبارات المتقدمة أسلوبا ، وليست هي من قبيل الخطأ الشائع. والله أعلم.
(٢) انظر «تدريب الراوي» ٢ : ٩٨.
(٣) انظر «مقدمة ابن الصلاح» ٣٣١ ـ ٣٣٣.
(٤) انظر «كشف الأسرار» ٣ : ٥٥.