قال «أبو عبد الله البخاري» : قال «ابن سلام» : «كركرة» (١).
واستدلوا بقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، وأداها كما سمعها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (٢).
فقد أمر بمراعاة اللفظ في النقل ، لأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أوتي من جوامع الكلم ، والفصاحة في البيان ما هو نهاية لا يدركه فيه غيره ، ففي التبديل بعبارة أخرى لا يؤمن التحريف أو الزيادة والنقصان فيما كان مرادا له (٣).
قال «فخر الإسلام البزدوي» : واستدلوا بالمعقول ، وهو أن النقل بالمعنى ربما يؤدي إلى اختلال معنى الحديث ، فإن الناس متفاوتون في إدراك معنى اللفظ الواحد كما أشار إليه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقوله : «فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ، ولهذا يحمل كل واحد منهم اللفظ الواحد على معنى لا يحمله عليه غيره ، وقد صادفنا من المتأخرين من يتنبه في آية أو خبر لفوائد لم يتنبه لها أهل الأعصار السالفة من العلماء المحققين ، فعلمنا أنه لا يجب أن يقف السامع على جميع فوائد اللفظ في الحال ، وإن كان فقيها ذكيا ، مع أنه ـ عليهالسلام ـ قد أوتي جوامع الكلم ، وكان أفصح العرب لسانا ، وأحسنها بيانا ، فلو جوزنا النقل بالمعنى ربما حصل التفاوت العظيم ، مع أن الراوي يظن أنه لا تفاوت ، ولأنه لو جاز تبديل لفظه ـ عليهالسلام ـ بلفظ آخر لجاز تبديل لفظ الراوي أيضا بالطريق الأولى ؛ لأن التغيير في لفظ غير الشارع أيسر منه في لفظ الشارع ، ولجاز ذلك في الطبقة الثالثة والرابعة ، وذلك يفضي إلى سقوط الكلام الأول ؛ لأن الإنسان وإن اجتهد في تطبيق الترجمة لا يمكنه الاحتراز عن تفاوت ، وإن
__________________
(١) «الكفاية» ٢٨٠.
(٢) بنحوه أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب العلم ـ باب في الحثّ على تبليغ السّماع) ٤ : ١٤١ و «ابن ماجه» في «سننه» في (المقدمة) ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، و (كتاب المناسك ـ باب الخطبة يوم النحر) ٢ : ١٠١٥ ، و «الدارمي» في «سننه» في (باب الاقتداء بالعلماء) ١ : ٧٥ ، و «أحمد» في «مسنده» في عدة مواضع ١ : ٤٣٧ ، ٣ : ٢٢٥ ، ٤ : ٨٠ ، ٥ : ١٨٣.
(٣) «أصول السرخسي» ١ : ٣٥٥ ، وروى الحديث بروايات مختلفة. انظر «الكفاية» ٢٦٧ ، ٣٠٥.