وقد أفسح لنا «ابن مالك» دائرة الاستشهاد باعتبار الحديث مصدرا من مصادرها.
وليت شعري ، من أولى من «ابن مالك» في عصره ، بتمييز صحيح الحديث من زائفه!! وهو الذي ذكر بين طبقات الشافعية ، وروى له «السيوطيّ» بعض الأحاديث بسنده ، وتلمذ له الإمام «اليونينيّ» و «ابن جماعة» ، وغيرهما من كبار الأئمة ، وكتابه «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» خير دليل على أن الرجل لم يجر في غير ميدانه ، ولم يتعلق بما ليس من شأنه ، بل إنه الإمام الذي يطمأن إليه فيما يأخذ وما يدع من أحاديث الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين يرى الاستشهاد بشيء من هذه الأحاديث (١).
وقال «ابن حزم» : «... والذي لا شك فيه فهو أنه ـ عليهالسلام ـ أفصح من امرئ القيس ، ومن الشماخ ، ومن الحسن البصري ، وأعلم بلغة قومه من الأصمعي ، وأبي عبيدة ، وأبي عبيد.
فما في الضلال أبعد من أن يحتج في اللغة بألفاظ هؤلاء ، ولا يحتج بلفظه فيها ـ عليهالسلام ـ فكيف وقد أضاف ربه ـ تعالى ـ فيه إلى ذلك العصمة من الخطأ فيها ، والتأييد الإلهي ، والنبوة والصدق ...» (٢)
الاتجاه الثاني : رفض الاستشهاد بالحديث والاحتجاج به صراحة.
ذهب إلى ذلك طائفة من النحاة ، منهم : «أبو حيان» ـ ٧٤٥ ه ، و «أبو الحسن ابن الضائع» ـ ٦٨٠ ه. وأولع «السيوطي» ـ ٩١١ ه بنقل كلامهما ، وألهج به في كتبه ، ظانا أنه من الفوائد الغريبة ، متلقيا له بالقبول تقليدا غافلا عن أنه في هذا الباب لا يسمن ولا يغني.
__________________
(١) انظر تمهيد «ابن مالك : تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» ٤٧ ـ ٤٨.
(٢) «الإحكام في أصول الأحكام» ٥٣٩ ـ ٥٤١.