لضبط اللفظ وحصره ، أو يتعمّد لحفظه ووعيه ، وإنما يستدرك المراد بالفحوى ، ويتعلق منه بالمعنى ، ثم يؤديه بلغته ، ويعبر عنه بلسان قبيلته ، فيجتمع في الحديث الواحد إذا انشعبت طرقه عدّة ألفاظ مختلفة ، موجبها شيء واحد (١).
قال «السرخسي» ـ ٤٩٠ ه : وحجة القائلين بجواز المعنى : ما اشتهر من قول الصحابة : أمرنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بكذا ، ونهانا عن كذا.
والنقل بالمعنى مشهور ، والعلماء يذكرون في تصانيفهم : بلغنا نحوا من ذلك. وهذا لأن نظم الحديث ليس بمعجز ، والمطلوب منه ما يتعلق بمعناه ، وهو الحكم من غير أن يكون له تعلق بصورة النظم ، وإنما يعتبر النظم في نقل القرآن ؛ لأنه معجز مع أنه قد ثبت أيضا فيه نوع رخصة ببركة دعاء رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على ما أشار إليه في قوله ـ : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» إلا أن في ذلك رخصة من حيث الإسقاط ، وهذا من حيث التخفيف والتيسير (٢).
__________________
(١) مقدمة المصحح لكتاب «غريب الحديث» لـ «أبي عبيد».
(٢) «أصول السرخسي» ١ : ٣٥٥ ، و «تدريب الراوي» ٢ : ٩٩ ـ ١٠٢. وحديث : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أخرجه بنحوه «البخاري» في «صحيحه» في عدة محالّ ، منها في كتاب فضائل القرآن ـ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) ٦ : ١٠٠ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب صلاة المسافرين ـ باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف) ٢ : ٢٠٢ ، و «أبو داود» في «سننه» في (أبواب الوتر ـ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف) ٢ : ٧٦. و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب القراءات ـ باب ما جاء أنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف) ٤ : ٢٦٤.
و «النسائي» في «سننه» في (كتاب الافتتاح ـ باب جامع ما جاء في القرآن) ٢ : ١٥٠.
و «أحمد» في «مسنده» في مواطن كثيرة ، منها :
١ : ٢٤ ، ٤٠ ، ٢ : ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٤٤٠ ، ٥ : ١٦.
قال «السندي» في حاشيته على «شرح السيوطي» على «سنن النسائي» ٢ : ١٥٠ ، أي : سبع لغات مشهورة ، وكان ذلك رخصة ، تسهيلا عليهم ، ثم جمعه «عثمان» ـ رضياللهعنه ـ حين خاف الاختلاف عليهم في القرآن ، وتكذيب بعضهم بعضا على لغة قريش التي أنزل عليها أولا.
والله أعلم. وفي «الوافي في شرح الشاطبية» (ص : ٨) والصواب أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن وورد فيها الحديث : «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وهذه القراءات جميعها موافقة لخط مصحف من المصاحف العثمانية التي بعث بها «عثمان» ـ رضياللهعنه ـ إلى الأمصار بعد أن أجمع الصحابة عليها وعلى اطّراح كلا ما يخالفها).